العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

الحنين إلى الانفلات والتنظير

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كلما برزت ظاهرة من الظواهر وتحديدا تلك المتسمة بالعنف والتخريب، يطل علينا العاطلون عن التفكير ، تحليلا وتفكيكا وتنظيرا لتلك الظاهرة، ومع قراءة السطور الأولى لما يدبِّجون في الصحف، يمكنك الوقوف على فحوى ومضمون مايرمون إليه، وهو محاولة تسييسها (الظاهرة) بالغمز واللمز ومحاولة اثبات - بطرح مَرَضي - أن وراء الأكمة ما راءها، والأكمة هنا بلا شك، توجه، أو جمعية أو طرح سياسي ولد ونشأ في تربة المملكة ولم يهبط بمركبة فضائية من كوكب لا علاقة للأرضيين به.

مثل تلك الرؤية والمحاكمات المجانية والمرتجلة، تنم عن أمر واحد، إضافة إلى العطالة، تنمُّ عن ترصّد وتصيّد وحنين في الوقت ذاته إلى مرحلة الإنفلات والفوضى والتنظير الذي ظل يتناسل كما تتناسل الفئران والأرانب، بحيث بات حتى (الأميون) يدلون بدلوهم في عملية تحريض لا تحتاج إلى موهبة لكشفها.

علينا أن نقف بصدق أمام الإشكالات والظواهر التي تطل برأسها بين وقت وآخر، بحيث نسهم ولو من بعيد في الوصول إلى تحليل وفهم وقراءة لطبيعتها وحقيقتها.

* * *

إطلاق الأحكام من دون تدبّر أو تبصّر، واحد من امتيازاتنا ضمن تصنيف لا أراه ظالما يتحدد في العالم الثالث. وإذا احتكمنا إلى المقاييس والإنجاز، فنحن أبعد بكثير من الثالث، ونكاد نتاخم العاشر.

ثمة قضايا تحتاج إلى وقفة صدق لتناولها يمكن تلخيصها في مستويات ثلاثة: الوعي، اللغة، النتاج.

الوعي: في الذهاب إلى توصيف الوعي علينا أن نقف أمام قضيتين رئيسيتين:

الأولى تتركز في تعاطينا مع قضايانا المباشرة المتعلقة بالوجود، وإنتاج ذلك الوجود.

على مستوى الوجود لا أحد يشك في أننا حاضرون في صور مادية لا تأثير يمكن أن تحدثه سواء على مستوى الحوار، وما ينتج عن ذلك الحوار من إضافة، علاوة على الدخول في عمق النتاج الإنساني وفي مختلف فروعه ونقلاته النوعية التي تشهد تحولات وتغيرات متسارعة. في المحصلة النهائية يكاد الإستهلاك ينخر حتى رخام بيوتنا قبل عظامنا. ثمة «تواكل» ليس حديثا بمقياس تعاطينا مع الحوادث والمؤثرات التي طرأت على العالم. وبالرصد البسيط يمكننا البدء في مؤشرات سقوط واحد من قلاع وجودنا (الخلافة).

الوجود نفسه الذي نتحدث عنه،لم يفاجئنا بصور السحل والتصفيات وترتيب الأدوار حرصا على الحضور في الصف الأول، وربما قبل ذلك بكثير.

* * *

في العالم اليوم، كثيرون ممن يسيئون بك الظن لمجرد أنك ركنت سيارتك في مكان آمن، مع التأكد من إحكام إقفالها، أو أن تحكم إغلاق أبوابك قبل الذهاب إلى النوم أو التسوق، مع أخذ الإجراءات الاحترازية بتثبيت جهاز إنذار، وليُسء بعدها كل لصوص العالم الظن بك!.

الملفت في الأمر أن اللصوص في أي بلد في العالم يعانون من حساسية مفرطة، ربما تتجاوز حساسية «فراشات الليل» حين يوصمن بصفاتهن، وكذلك الحال مع اللصوص. وأجد في الاثنين حالا من البطالة المقنّعة والفشل الذريع. الأولى لا دخل لها بموهبتها سوى بيع الشهوة، والأول يرفّه عن نفسه على حساب شقاء كثيرين، بغض النظر عن إمكاناتهم المادية.

ثمة تطابق في الصفة لا يمكن لأحد أن يغفل عنه، لا يرتبط فقط بموضوع البطالة المقنّعة، والفشل الذريع في امتهان حرفة شريفة تشعر المرء بقيمته واستقلاليته ودوره في المجتمع، بل يتطابق في أن الاثنين لا يمكن لهما أن يتنفسا بشكل طبيعي بعيدا عن الإدمان ذاك.

ذلك على مستوى الأفراد. على مستوى الدول، الأمر لا يختلف كثيرا، فثمة قادة وغزاة انطلقوا من رؤيتهم لاختصار زمن تراكم الثروات والمغانم، والبحث عن موارد إضافية، وغالبا البحث عن أسواق خارج حدودهم كمدخل أول لإحكام السيطرة على حدود دول بمواردها، ما يدفع إلى الغطرسة حتى على مستوى الإرتجال في التصريح، عدا الممارسة.

الأسكندر الأكبر لم يجد غضاضة في حال من نشوة الانتصار وتوسع الإمبراطورية في القول: «إن المستحيل ينكسر بمجرد أن أطأه بقدمي» ولن يكون المستحيل الذي رمى إليه بعيدا عن إرادة الشعوب، لأنها واحدة من المستحيلات التي لا يمكن لأي عسكري أن يضمّنها خططه وتكتيكاته، فهي أمور غير قابلة لإخضاعها لأي شكل من أشكال الرصد المباشر.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً