العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

أزمة الغذاء في دول مجلس التعاون

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

يعتقد على نطاق واسع أن معضلة ارتفاع أسعار مواد الغذاء مسئولة عن نحو 30 في المئة من ظاهرة التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي. وتتمثل العوامل الأخرى في ارتفاع أسعار العقار فضلا عن التعقيدات المرتبطة بتراجع قيمة الدولار وأمور أخرى.

يمكن تعريف التضخم بأنه ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة لفترة زمنية. تعاني كل دول مجلس التعاون من مشكلة التضخم، إذ بلغت 14 في المئة في قطر في العام 2007 أي الأسوأ ضمن المنظومة الخليجية. كما بلغت نسبة التضخم في الإمارات 11 في المئة في العام الماضي.

تؤكد الدراسات أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت 75 في المئة منذ العام 2000 على الصعيد الدولي لأسباب لها علاقة بنمو الطلب فضلا عن تداعيات استمرار ارتفاع أسعار النفط. وقد تسبب ارتفاع أسعار النفط في زيادة كلفة الإنتاج في دول المنشأ وخصوصا تلك التي تعتمد بشكل نوعي على القطاع الزراعي الأمر الذي فسح المجال أمام رفع أسعار الصادرات. كما ساهمت معضلة أسعار النفط في رفع أسعار الشحن والتأمين. وعلى هذا الأساس يمكن الزعم بأن ارتفاع أسعار النفط نعمة ونقمة في الوقت نفسه.

تحرير التجارة العالمية

إن الأسعار مرشحة للمزيد من الارتفاع في حال التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف ذات العلاقة في مفاوضات جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية. وكان وزراء أكثر من 30 دولة قد ناقشوا الأسبوع الماضي في مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف مقترحات لإنهاء الجولة في الفترة المتبقية من إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش. يعرف عن إدارة الرئيس بوش (المنبثقة عن الحزب الجمهوري المحافظ) تأييدها لتحرير التجارة الدولية. بيدَ أنه من الممكن أن تتعقد الأمور في حال سيطرة الحزب الديمقراطي على البيت الأبيض والكونغرس في الانتخابات في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.

وربما تفضي جولة الدوحة إلى الحد من التسهيلات التي تقدمها الدول الزراعية الرئيسية للدول المستوردة بحجة وضع حد للتشويهات المرتبطة بالأسعار. لكن يخشى أن يتسبب التقليل من الدعم المقدم إلى المزارعين في الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (وهو مطلب دول مثل البرازيل والهند والصين) إلى الحدِّ من الإنتاج الزراعي لبعض السلع الإستراتيجية وبالتالي ارتفاع أسعارها. في الوقت الحاضر تستفيد الدول المستوردة للمنتجات الزراعية من مزايا مختلفة مقدمة من الدول المنتجة بما فيها التسهيلات المصرفية فضلا عن الأسعار المدعومة.

فاتورة الغذاء

تبلغ قيمة فاتورة استيراد المواد الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي الست أكثر من 12 مليار دولار سنويّا. تأتي السعودية في المرتبة الأولى تليها مباشرة الإمارات من حيث قيمة فاتورة الغذاء. وربما هذا يفسر توجه كل من البلدين لإبرام اتفاقيات دولية لضمان توافر المواد الغذائية وتنويع مصادرها.

على سبيل المثال، قام رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بزيارة لكازاخستان حديثا وناقش خلال الزيارة الفرص المتاحة للاستثمار في الموارد الزراعية في هذه البلاد المترامية الأطراف. وجاءت الزيارة في إطار سياسة الإمارات الرامية إلى تنويع مصادر المواد الغذائية نظرا إلى استيرادها نحو 85 في المئة من احتياجاتها الغذائية.

الاستثمار في الخارج

إضافة إلى ذلك، تدرس كل من السعودية والإمارات خيارات الاستثمار في الأراضي الزراعية في السودان ومصر وباكستان. لدى الإمارات مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان لغرض تنفيذ مشروعات زراعية بالاستفادة من التقنية الحديثة. كما تدرس الإمارات إمكانية شراء أكثر من100 ألف فدان من الأراضي الزراعية في باكستان بقيمة 500 مليون دولار. يتمتع السودان بوفرة المياه فضلا عن المساحة (يعد السودان أكبر بلد عربي من حيث المساحة). بيد أن السودان يعاني من القلاقل السياسية (لاحظ على سبيل المثال إفرازات أزمة منطقة دارفور بدخول محكمة الجنائيات الدولية على الخط).

نرى أن التوجه نحو الحل الخارجي وليس المحلي أمر واقعي لعدة أسباب، منها معضلة ندرة المياه فضلا عن محدودية المساحات القابلة للزراعة. فبحسب مركز الخليج للأبحاث ومقره دبي فإن إنتاج طن من الشعير في المملكة العربية السعودية يحتاج إلى 1212 مترا مكعبا (أي 42800 قدم مكعب). ويعد صرف هذه الكمية من الاستهلاك نوعا من الرفاهية في ضوء شح المياه الجوفية. بل إن الأمر أكثر سوءا في دول خليجية أخرى تعاني من الضغط على المياه الجوفية.

استيراد الرز التايلندي

بدورها بدأت البحرين (صاحبة أصغر ناتج محلي إجمالي في دول مجلس التعاون) دراسة إمكانية إبرام اتفاقيات مع بعض الدول الآسيوية مثل تايلند والفلبين لاستملاك أراض زراعية وبالتالي زرع منتجات خصيصا للسوق البحرينية. وقد ناقش وفد بحريني برئاسة وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو أثناء زيارته بانكوك ومانيلا إمكانية الاستثمار في مزارع خاصة. وهناك توجه لترويج أنواع أخرى من الرز (غير البسمتي) مثل (جاسمين) في البحرين. وبات هذا الأمر ضروريّا على خلفية ارتفاع أسعار البسمتي المستورد من باكستان والهند لأسباب متعددة منها إفرازات أسعار النفط. ومن المنتظر أن يناقش عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مسألة تعزيز الفرص الاقتصادية للبحرين أثناء جولته العالمية المرتقبة والتي تشمل الصين.

يشكل ارتفاع أسعار المواد الغذائية فضلا عن ندرة الأراضي الزراعية والمياه فرصا لدول مجلس التعاون الخليجي للاستثمار الزِّراعي في الخارج. وبحسب بعض الدراسات تعتبر نحو 10 في المئة من أراضي دول مجلس التعاون الخليجي (تقع غالبيتها في الأراضي السعودية) غير قابلة للزراعة لسبب جوهري وهو نقص المياه. كما أن تجربة الإنتاج المحلي وخصوصا في السعودية ليست ناجحة بالضرورة نظرا إلى توافر البديل المستورد الأرخص نسبيا. ويتطلب الإنتاج المحلي تقديم دعم مالي قد يرهق الموازنة العامة وربما على حساب مشاريع تنموية ومعيشية أخرى.

ختاما نعتقد أنه لا مناص من اللجوء إلى الحلول الإبداعية في ضوء تفاقم أزمة الغذاء.

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً