قرية المالكية أصبحت محورا في الحراك السياسي البحريني، وتتركز التحليلات حول هذه القرية بسبب الأحداث المتتالية فيها خلال السنوات الأخيرة. وجاء إعلان وزارة الداخلية الشهر الجاري عن تفتيش أحد الأماكن بالقرية والعثور على أكثر من 30 إطار سيارة وأكثر من 100 زجاجة مولوتوف وأنابيب بلاستيكية واسطوانة غاز وعلب طلاء وأسلحة بيضاء... إلخ، وثم إلقاء القبض على عدد من شباب القرية، ليفتح المجال للمزيد من التأويلات.

مهما كانت تفاصيل الأمر، وفيما إذا كان الذين احتجزوا متورطين أم لا، فإن المالكية تعتبر حالة مأساوية لواقع القرى... فهذه القرية البالغ عدد نسمتها سبعة آلاف شخص ليست فيها مؤسسة تعليمية، والتلاميذ يحتاجون إلى باصات لنقلهم إلى مدارس بعيدة، والبنات اللاتي لا يزيد عمرهن على 6 أو 7 سنوات يتوجب عليهن الذهاب إلى قرية بوري للدراسة، على الرغم من وعود حكومية تعود إلى العام 1995 ببناء مدارس. والقرية ليس فيها مركز صحي، وناديها الذي يعتبر من أقدم النوادي ويحتوي على أفضل اللاعبين حالته سيئة، إذ لا وجود لتسهيلات تستقطب الشباب.

المالكية كان يطلق عليها البعض «رفاع البحارنة»، وحتى لهجتهم المحلية تحتوي على لكنة «رفاعية» دخلت على لهجتها الأصلية، فهي أكثر القرى التي تتميز بولاء تقليدي للنظام، ورجالاتها كانوا الأقرب لديوان الحكم على مر السنين، وأفراد العائلة الحاكمة يعتمدون على مزارعي القرية لرعاية مزارعهم، حتى إن أحد كبار القرية كان يطلق عليه «طباخ الشيوخ» لأنه كان يعمل طباخا لدى العائلة الحاكمة.

أتذكر في منتصف التسعينيات أننا استغربنا عندما سمعنا أن المالكية اشتركت في الانتفاضة حينها، لأنه لم يتوقع أحد ذلك. وكانت هناك رواية تقول إن دخولهم كان بالصدفة لأن قوات الأمن هجمت على شبابها بعد مباراة كرة قدم معتقدين أنها كانت مظاهرة. إنني مضطر لذكر هذه التفاصيل للتعرف على السبب الذي أوصل قرية معروفة بولائها التقليدي للنظام إلى الحال المأساوي الذي نراه حاليا. فهل كان الإهمال الرسمي هو السبب؟ هل كانت عشوائية الإجراءات الحكومية هي السبب؟ هل كانت أحقاد وطائفية بعض المتنفذين هي السبب؟ هل التحريض من بعض الجهات المعارضة هو السبب؟

لعلي لا أملك أجوبة محددة عن هذه الأسئلة وغيرها، ولكنني أعتقد أن أخطاء كبيرة ارتكبت وأدت بنا إلى الحال الذي نحن عليه، وعلى من يهمهم الأمر الالتفات إلى أن مجريات الأحداث في المالكية تحمل أبعادا وآثارا كبيرة جدا لدلالتها ورمزيتها.