العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

التجربة الحزبية داخل المشهد السياسي البحريني

عقدت مساء الاثنين الموافق 14 يوليو/ تموز 2008 مائدة مستديرة لدراسة التجربة الحزبية في البحرين من خلال الجمعيات السياسية وعلاقة تلك التجربة بالديمقراطية. تأتي هذه المائدة المستديرة ضمن متطلبات مشروع دراسة الأحزاب العربية التي يقوم المركز اللبناني بتمويله والإشراف عليه.

أقيمت المائدة المستديرة في مبنى صحيفة «الوسط»، وقدمت فيها ورقة حول التجربة الحزبية داخل المشهد السياسي البحريني أعدها الباحث عباس المرشد وقد قسمت الورقة إلى قسمين: يتناول القسم الأول المسألة الحزبية في البحرين عموما والقسم الثاني مخصص لمناقشة دراسة الجمعيات السياسية الثلاث «المنبر الإسلامي، العمل الديمقراطي، الوفاق الإسلامية» وفيما يلي تقرير إجرائي عن مجريات المائدة المستديرة.

افتتح النقاش معد الدراسة وورقة السينمار الباحث عباس المرشد بكلمة تطرق فيها إلى أهمية دراسة التجربة الحزبية في البحرين ومحاولة وضع المفاصل السياسية فيها على طاولة النقاش من أجل رسم صورة واقعية عن تلك التجربة. وأوضح المرشد أن التجربة الحزبية في البحرين لاتزال بعيدة عن الدرس العلمي وهو ما يفقدها الجانب النقدي الذي يعتمد على التراكم وعلى وجود سجال مكتوب يمكن الرجوع إليه وتنقيته وتحديد القضايا بدقة. ثم استعرض الباحث إشكالية التجربة الحزبية في البحرين عبر طرحه لمجموعة من الأسئلة المحورية في الدراسة، وأشار إلى أن المسألة الحزبية تارة تدرس من خلال الشكل القانوني وتارة من خلال الأداء والوظيفة وبين أن قانون الجمعيات السياسية لايزال يرفض إنشاء الأحزاب رسميا إلا أن الجمعيات السياسية تمارس في الواقع كثيرا من وظائف الأحزاب السياسية.

وعن مفارقة التباين بين الجانب القانوني والشكلي وبين الدور الوظيفي، توقع المرشد أن تحل هذه الفجوة بصدور قانون أحزاب بصورة رسمية لكنه حذر من مغبة تحويل قانون الجمعيات الحالي إلى قانون الأحزاب من دون إضافة الشروط السياسية للأحزاب السياسية ومنها مبدأ تداول السلطة. وأشار المرشد إلى أن التجربة الحزبية في البحرين ليست متساوية ويصعب الخروج منها بنتائج عامة حيث أن الأمر يحتاج إلى دراسات عديدة في هذا الشأن وإلى مقاربات وأطر بحثية متعددة كي يمكننا تعميم بعض النتائج. ثم استعرض الباحث نتائج الدراسة الميدانية التي قام بها لعدد من الجمعيات السياسية وشرح الإطار المنهجي الذي بنيت الدراسة على أساسه. بعدها فتح باب النقاش حول الورقة التي أعدها الباحث تحت عنوان «التجربة الحزبية داخل المشهد السياسي البحريني».


الهاشمي يراها مشكلة «عقل» عربي لا يفهم المؤسسات ولا تشكل الدولة... والعكري يؤكد: نحن في المستوى «الأقل» من الديمقراطية

«الوفاق» لا تحتاج أعضاء «سُنة» و«وعد» ليست «النعيمي» أو «الشعبية»

تتمحور هذه المناقشة حول التنظيمات السياسية في البحرين ممثلة بالجمعيات السياسية، وهي ما يقارب 15 جمعية سياسية، هناك سؤال رئيس سنبدأ به، هل أن الجمعيات السياسية الحالية تمثل أحزابا سياسية أم أنها تنظيمات ما قبل حزبية، ماذا أخذت من إرثها التاريخي قبل العهد الإصلاحي، وما هي حقيقة تشكلها الحالي، كيف تقرأ الجمعيات السياسية في البحرين وفق هذه الإطارات العامة؟

عبدالنبي العكري: أولا، لا توجد هناك معايير موحدة لتسمية الحزب، هناك أحزاب مركزية شديدة وبحسب الوضع السياسي والاجتماعي في كل تجربة، هناك أحزاب تحت الأرض وهناك أحزاب فوقها، هناك أحزاب في نظم ديمقراطية حقيقية انتخابية وفق النموذج الأميركي كالحزبين الديمقراطي والجمهوري. هناك أحزاب ليست انتخابية، وفي المحصلة لا توجد وصفة خاصة.

بالنسبة إلى البحرين، هل الجمعيات السياسية أحزاب؟، حسب القانون لا، هل أقل من الأحزاب بمعنى حزب في نظام ديمقراطي، فالأحزاب في النظم الديمقراطية لا بد أن يكون لها دعم من الدولة حسب كتلته الانتخابية أو نوابه، وان تكون لها مقراتها الخاصة بكل سهولة، وفي البحرين هذا الأمر غير متاح، وان يكون لها وجودها في الجامعات وفي كل مؤسسات المجتمع وهذا غير متاح.

الجمعيات السياسية متباينة، هناك جمعيات استندت على تجاربها الحزبية، فهي لديها تقاليد وكوادر واشتغلت في العمل الحزبي وإن كان سريا، لديها ترتيبات وآليات في إدارة عملها، وهناك تنظيمات طارئة وبعضها مفبرك، ولا يمكن تسوية هذه النماذج كافة.

إذن هل نقلت الجمعيات السياسية أنماطها الاجتماعية والإدارية قبل المرحلة الإصلاحية للمرحلة التي تبعتها، العمل مثلا، هل يبدو تشكيلها الحالي الآن مماثلاُ لما كان عليه هذا التنظيم قبل المرحلة الإصلاحية وتوقيع ميثاق العمل الوطني؟

عبدالنبي العكري: بالنسبة إلى جمعية العمل، لقد حملت خبرات كوادر في مرحلة الجزر قبل الانفتاح لم يكن عدد الملتزمين بالتنظيم أكثر من 50 شخصا، واليوم هم أكثر من 650 عضوا مسجلا. لا يمكن القول إن جمعية وعد هي الجبهة الشعبية، لا الآليات نفسها، ولا البنية نفسها ولا البيئة السياسية مشابهة، الجبهة الشعبية كانت تعمل سرا، وكان العمل سريا خطيرا يتطلب أعلى مستويات السرية وكانت قيادتها أو على الأقل جزء منها في الخارج، لكن في جمعية العمل نقلت خبرات الرقابة الحزبية/ آلية اتخاذ القرار/ الحياة الداخلية ولكن في ظروف مختلفة.

وهل هذه حالة خاصة بجمعية العمل«وعد»؟

عبدالنبي العكري: لا، وكذلك الحال بالنسبة إلى المنبر التقدمي، حتى الإسلاميين، فالذي أعرفه أن الجبهة الإسلامية كانت موجودة وهي تجلت في جمعية العمل الإسلامي، بالنسبة إلى الوفاق فهي حالة خاصة لأنها حالة جماهيرية أكثر مما هي تنظيم، كانت هناك شبكة تحت مسمى حركة أحرار البحرين ورجال دين، وقد يكون السيد كامل أكثر معرفة مني في هذا السياق؟

ألم يكن بالإمكان قيام تنظيمات جديدة ومختلفة؟، وليست بالضرورة امتدادا للتنظيمات السابقة، كانت هناك محاولة وإمكانية، كانت هناك محاولة التجمع الوطني الديمقراطي، لكنها فشلت؟

عباس المرشد: نعم هناك نقل للتجارب والخبرات إلى الجمعيات الحديثة بعد تجربة العمل في مرحلة ما قبل المشروع الإصلاحي، ولقد نقلت الكثير من الآليات التي كانت سائدة ورائجة بل يكاد أن يكون نسخا لها؟

عبدالنبي العكري: أختلف معك في وجهة النظر هذه، لأنه عندما تلاحظ أدبيات الجبهة الشعبية وبرنامجها وخطابها السياسي وأساليبها ستراها مختلفة، لقد كان برنامجا اشتراكيا وهو اليوم ديمقراطي اجتماعي، نظرتها للسلطة مختلفة، صراعها مع السلطة مختلف، حتى الوسائل مختلفة لا يوجد ما هو سري، فمداولات المكتب السياسي يصدر منها بيان المؤتمر العام مكشوف. كانت هناك اتصالات سرية يوم كانت القبضة البوليسية تعمل عملها، كانت الخلايا في القرية الواحدة لا تعرف بعضها بعضا.

هناك فرق بين ذلك التنظيم الذي كان يريد تغييرا جذريا، وبين هذه الجمعية التي تريد أن تقوم بإصلاح النظام وتسلم بشرعيته!

السيد كامل الموسوي، بالنسبة إلى مسألة «الوفاق»، كيف نشأت؟ هل كانت تشكلا موجودا قبل الميثاق؟ هل هي نموذج قريب للعمل، كيف تقرأ «الوفاق» وهل هي حزب سياسي؟

السيد كامل الهاشمي: أنا أحب دائما أن أرسم الإطار قبل الدخول في التفاصيل، ووضع الإطار المعرفي أو التحليلي هو مهمة تسبق تحليل التفاصيل. أعقب على كلام الأستاذ عبدالنبي، توجد ثلاثة عناصر في كل تجربة سياسية أو اجتماعية، سواء كانت في العالم العربي أو في غير العالم العربي، لدينا الدولة والتي تسمى بالمجتمع السياسي «جماعات الضغط والرأي» التي هي جماعات المجتمع المدني ثم الأفراد القادرون على الاستقلال بآرائهم وأفكارهم وتشكيل رؤى سياسية تحرك المجتمع وتطوره وهم الذين دُرج على تسميتهم بالمجتمع الأهلي.

كل هذه العناصر الثلاثة لم تتشكل في تجربة الدولة العربية بشكل صحيح، فحتى تسمية الدولة مازال البعض يستشكل في تسمية الهيئات السياسية أو التشكلات السياسية الفاعلة في العالم العربي بتسمية الدولة.

إلا على مستوى المصطلح اللغوي من دال يدول، دال إليه الأمر يعني انتهى إليه، وهذا مصطلح لغوي وليس المصطلح السياسي الحديث للدولة، لذلك أنا من القائلين بأنه لم تبرز ولم تتشكل إلى حد اليوم دولة في كل التجارب العربية.

ثم نأتي إلى العنصر الآخر الذي يهيئ للتشكل السياسي للدولة وهو المجتمع المدني، والمجتمع المدني أيضا لم يتشكل بشكل حقيقي لا كفكر أو كممارسة في العالم العربي وكلنا يعرف أن الفكرة انتقلت إلى العالم العربي في العصر الحديث وبدأ يتداولها الكتاب العرب، وكان كتاب عزمي بشارة من أهم الكتب التي كتبت في هذا الشأن، ولكن كممارسة المجتمع العربي مازال بعيدا جدا عن أوضاع جماعات الضغط في العالم العربي.

المجتمع المدني ما الذي شكله أو دفع به في التجربة الغربية؟ الذين دفعوا به هم فلاسفة، «العقد الاجتماعي» جان جاك روسو، وغيره من الفلاسفة الاجتماعيين والسياسيين، وهو ما يسمى تحديدا بالتفكير الحر، الذي توافر في طبقة الفلاسفة الذين تمكنوا من إيجاد هذا المجتمع المدني وأطلقوا الفكرة لتكون بعد ذلك مشروعا قائما، يوازي حضوره حضور الدولة.

وبالحديث عن تجربة البحرين، يؤسفني أن أقول إنها تشكل الحلقة الأضعف في تجربة الدولة العربية، ذلك أن الموروث السياسي لم يكن كافيا لتشكيل تجربة سياسية بامتياز. وعودة على الحديث عن جمعية الوفاق، عند تأسيسها، كان السبب الرئيسي في انضمامي إليها هو اعتقادي في أنه أتيحت لنا الفرصة لكي نتأسس بمعنى أن نخرج من إطار الحالة الفردية المشتتة إلى أن تكون مؤسسة، وكنت اعتقد انه ربما تكون فرصة، لكن تبين انه مازال مفهوم المؤسسة صعبا على التفكير العربي بشكل خاص أن يتعامل كمؤسسة سواء كان علمانيا أو دينيا.

المشكلة هي مشكلة عقل، التفكير العربي عاجز عن العمل وفق تنظيم مؤسسي، وهذه الحالة تنسحب من الإطار المعرفي إلى الإطار العملي والسياسي.

بالنسبة إلى «الوفاق» بالتحديد، ماذا تشكل «الوفاق»، هل هي جمعية سياسية ترتقي إلى حزب، وكذلك الجمعيات الأخرى هل ترتقي إلى مسمى الأحزاب السياسية، أيضا مشكلة المؤسسة مثلما ذكر السيد، هل تعتقد أنه توجد مشكلة عقل عربي أو هي مسألة النظام، وهنا قد ننتقل إلى محور آخر وهو إلى أي حدّ تستطيع الجمعيات السياسية الحالية ربط العملية الديمقراطية كتجربة سياسية ميدانية، بمعنى هل استطاعت الجمعيات أن ترفع سقف الحد الديمقراطي الذي سمح به النسق السياسي؟ ولتبسيط الكلام، هل استطاعت هذه الجمعيات السياسية أو الأحزاب السياسية أن تعطي جرعة إضافية للديمقراطية في البحرين أم أن المشكلة مشكلة نظام وليست مشكلة عقل ؟

النائب محمد جميل الجمري: نبدأ بمسألة واقعنا نحن، هل نحن حزب أم لا؟ واضعو قانون الجمعيات السياسية في البحرين طرحوا جانبا تسمية حزب لأن تسمية حزب توحي بتداول السلطة، وكان هناك حذر من تسرّب هذه الفكرة إلى أي تشريع، لذلك كان هناك جدل في الجمعيات السياسية ومحاولات، في تلك الفترة التي لم يكن فيها للمعارضة وجود في البرلمان، محاولة لإيصال وجهة النظر من خلال بعض الأعضاء الذين ساهموا في إحداث هذا التفاهم حول هذا القانون.

كان هناك إصرار على تسمية جمعيات سياسية، بدءا من الجمعيات التي كانت موجودة وما كانت سياسية، إلى الجمعيات التي تمارس العمل السياسي، وسمح لهذه الجمعيات أن تدخل الانتخابات باسم، وهذه كانت نقطة التغيّر، ولكن هل هذا يعني أننا تحولنا إلى أحزاب؟ طبعا لا؛ لأنه بيننا وبين عمل الأحزاب مسافة لاتزال بعيدة، لدينا طموح كبير لمحاولة الاستفادة من الفرص المتاحة، حتى نتمكن من التشكل على صورة أقوى من الحزب، ولقد استفدنا طبعا من مرونة القانون واستطعنا أن نضع النظام الأساسي حسب الصورة التي أردناها خلافا لما كان عليه وضعنا في السابق، وأصبحت لدينا أمانة عامة وأيضا أضفنا هيئة ثالثة وهي هيئة التحكيم. وبالنتيجة تمكنّا من خلق بيئة تصلح أن تكون بيئة حزبية، لكن - كما أسلفنا القول - الوضع لا يسمح بقيام تجربة حزبية حقيقية في البحرين لأن الصلاحيات محدودة جدا، لكن على مستوى التطبيق داخل الجمعية أتصور أننا خطينا خطوات مهمة. طبعا نحن بصدد التأسيس لعمل حزبي، نحن غير مسبوقين به في البحرين، ذلك انه توجد تجارب حزبية، سواء كانت الأحزاب اليسارية أو التنظيمات الإسلامية، ولكن بالنسبة إلى الإسلاميين تحديدا كان عملا توعويا في الغالب، لم يرق إلى مستوى العمل الحزبي، إذا ان التجارب الموجودة عند التنظيمات الإسلامية كانت محدودة في العمل الحزبي.

الانتقال إلى هذه التجربة كان بمثابة النقلة النوعية، ولا شك أن الأمور لم تكن ثابتة، هناك قناعات كثيرة، هناك حوار، لكن وبالحديث عن تجربة «الوفاق»، أتصور أن الإنجاز كان في إدارتها لحوار على مستوى واسع جدا بين شرائح مهمة ومؤثرة في المجتمع. هذا الحوار كان أحيانا سهلا وأحيانا كان يؤدي إلى انشقاقات ولكن هي مسيرة.

هل يعني هذا الكلام أن الجمعيات السياسية في البحرين استطاعت أن تخلق، في ظل قانون صنفته أنت بأن مساحته والحرية فيه محدودة جدا، أطر تنظيمية داخلية جديدة تدير ما سماه الأستاذ العكري، الشارع أو الجمهور، ونظمته جمعية الوفاق، طيب هل الجمعيات السياسية في البحرين الآن أكثر تقدّما من النظام السياسي ؟

النائب محمد جميل الجمري: أنا قلت إنه توجد أحزاب وتنظيمات ولكن طبيعة عملها محدود، تنظيم احتفالات، تنظيم مناسبات إسلامية، العمل في أوساط الطلبة من أجل خلق حالة من التديّن والالتزام داخل صفوف هذه الفئات. ثانيا الأحزاب وبالحديث عن الوفاق، بيننا وبين الأعضاء الذين كانوا في حزب الدعوة مسافة 13 سنة، مسافة زمنية طويلة من حل حزب الدعوة إلى تأسيس جمعية الوفاق، أنا أتصور أن أعضاء قلة جدا كانوا في حزب الدعوة، أما الأغلبية لم يعرفوا حزب الدعوة الإسلامي أساسا.

إذا الحديث عن الوفاق هو حديث عن تجربة جديدة بكل المقاييس وقد حاولنا أن نستفيد من تجارب أخرى لكننا عندما نظرنا حولنا لم نتمكن من الحصول على تجربة يمكننا أن نقتدي بها. ولذلك لا يوجد مثيل للنظام الأساسي لجمعية الوفاق، لا يوجد له مثيل بين الجمعيات التي سبقته، ولذلك نحن نؤسس كل شيء بمعنى أننا لم نأخذ تجارب جاهزة وحاولنا تقديمها في صورة بحرينية.

لكن هل نحن أكثر تقدما من النظام؟ أقول لو أننا التزمنا حرفيا بما جاء في القوانين لكان من المستحيل علينا أن نعمل، لكن ما يحدث هو أنه من خلال محاولة ملامسة الخطوط الحمراء تبدأ عملية رسم معالم جديدة والتأسيس لأعراف جديدة تصبح في قوة القوانين نفسها.

السؤال إلى عبدالله جناحي، بحكم عملك السياسي وعملك في الأحزاب أريد تعليقا بسيطا على المحاور نفسها ثم الإجابة عن هذا السؤال: ما القضايا التي تشكل الوجود الحزبي عند الجمعيات السياسية في البحرين؟ وإن طلبنا منك أن تضع خارطة لنشأة الجمعيات السياسية في البحرين، هل هي جمعيات يحددها المحور الديني، محور الموالاة أو المعارضة، محور الايديولوجيا وخاصة الإسلامية منها، كيف تضع خارطة عامة لنشوء الجمعيات السياسية في البحرين؟

عبدالله جناحي: بالنسبة إلى جمعية وعد، كل الموروث التاريخي، هو عمل سري، على الصعيد الحزبي كانت حركة القوميين العرب أو التنظيمات القومية أو فيما بعد الجبهة الشعبية، حتى الأحزاب الشيوعية والأحزاب الإسلامية السرية، حزبيا استفاد الكثيرون من الأسلوب اللينيني في بناء الحزب، وجود خلايا، وجود حلقات، لأن العمل السري كان يفرض وجود عمل حزبي مغلق، الديمقراطية فيه كانت محدودة جدا إن لم نقل معدومة، المؤتمرات كانت مغلقة، ولم تكن هناك عقلية مؤسساتية ديمقراطية مثل الأحزاب الديمقراطية في أوروبا التي نشأت مع الثورة الصناعية.

النقلة التي حدثت بعد الإعلان عن رجوع المنفيين وإصرار المعارضة على مواصلة عمل المعارضة في إطار علني، وأذكر هنا عبدالرحمن النعيمي، وبالتالي وضع المخرج بالعمل تحت إطار الجمعيات الأهلية، ونحن نعمل في إطار قانون لا علاقة له بالأحزاب إلا أن أنوية العمل في الجمعية كانت حزبية، كان هناك إصرار على نقل العمل المؤسساتي والديمقراطي والتشاركي لهذه التجربة ومنها المؤتمرات العامة السنوية وكان هناك إصرار على وجود لجنة أو هيئة مركزية هي من تقود الجمعية، وأصبح هناك تطور نوعي وهو أن الهيكل العام لا يختلف حزبيا عن أي هيكل للأحزاب الديمقراطية المفتوحة، استفدنا كثيرا من تجارب الأحزاب الديمقراطية المفتوحة، الأحزاب الايديولوجية كانت ترى ضرورة أن يكون الإيمان بالايديولوجيا شرطا في العضوية، ونحن تجاوزنا ذلك، وأصبح البرنامج السياسي للجمعية هو المحور الذي يحدد العضوية في تجربتنا. ولذلك، في جمعية العمل الآن لدينا أكثر من تيار، لدينا ماركسيون وإسلاميون وبعثيون وآخرون لا ينتمون لأي ايديولوجيا معينة، الدخول هو مرهون بالالتزام بالبيان السياسي وقرارات المؤتمر العام.

كيف تصمم هذا الإطار الذي جمع هذه الفئات المختلفة، وهل تعتقد أن هذه الحالة فريدة بجمعية العمل أم أنها عامة، وكيف تقرأ الجمعيات السياسية الأخرى، ما هي القضايا التي حددت ظهورها، دينيا، طائفيا؟

عبدالله جناحي: لا أستطيع أن أعلن أن تجربة العمل فريدة، لكن الفكرة بالأساس حينما حدث اللقاء الأول أن المجموعات التي تمثل الموروث الماضي أتت جميعا، كلهم كانوا على توافق أن هذه المرحلة تختلف عن مرحلة الصراع الايديولوجي السابق، وخصوصا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، أصبح هناك تقارب أكثر بين هذه الأفكار، في المرحلة السابقة كانت للأحزاب الشيوعية مرجعية موسكو، والبعثيون لدمشق أو بغداد، والناصرية لعبدالناصر، بعد انتهاء جميع هذه الأقطاب اختفت المرجعيات والصراعات الشكلية التي كانت موجودة وكانت مبنية على الصراع بالوكالة عن صراعات قوى عالمية، خلافات حول أفغانستان مع أو ضد موسكو، مع تحرير إريتريا أو ضد، وحول القضية الفلسطينية.

كل هذه القضايا اختفت في أواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات، الآن هناك اتفاق حول الملفات الوطنية كافة، هناك اتفاق على أن النضال لابد أن يكون حول الدستور أو الحياة النيابية. وحتى لحظة تأسيس جمعية العمل كان هناك تصور أن الجميع سيتفقون تحت الجمعية، ولكننا اكتشفنا أن بعض التيارات مازالت تؤمن بأهمية الايديولوجيا ولهذا افترقنا.

إذا لدينا العقيدة الإسلامية أولا، والايديولوجيا ثانيا، كإطارات أو قضايا التشكيل للأحزاب السياسية أو الجمعيات السياسية حتى نكون دقيقين؟

عبدالله جناحي: نعم وهذا ما تسبب في نشوء الجمعيات الأخرى قبالة جمعية العمل، بالنسبة لنا في العمل لم نكن نهتم بالمسألة الايديولوجية، نحن في أواسط الثمانينيات بدأنا مراجعة أفكارنا الايديولوجية، بما في ذلك النظرية الماركسية والاشتراكية العلمية وخصوصا بعد ما اقتربنا من قراءات جديدة ومعمقة من التاريخ الإسلامي، وعندما تأسست جمعية العمل لم نضع أية ايديولوجيا في برنامجنا السياسي بل جعلناه مفتوحا للجميع.

هذا يرتبط كل هذا مع ما ذكرته عن محاور الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والفرد التي وصفتها بأنها لم تكتمل عربيا، كيف تقرأ نتائج عبدالله جناحي؟

السيدكامل الهاشمي: أتفق معه في المطلق، أنا أهتم بالحقل المعرفي وطرحت رؤيتي وهو تعمق فيها تاريخيا وأثبتها، ذكرت أني أهتم بالعقل العربي سواء أكان إسلاميا أو علمانيا، ولا فرق بينهما في الحقيقة في مستوى النتائج. حين نفهم كيف يفكر العربي سنعرف كيف يفكر الوفاقيون أو أعضاء وعد. في الصراعات الطائفية تستطيع أن تقوم باستبدال الأدوار بين الشيعي والسني بالتوالي ودون أن تخل بالنتيجة، فالعقلية واحدة، نحن كعقول عربية لا نستطيع أن نقوم بعمل مؤسسي، وهو في المحصلة ما يجعلنا عاجزين عن العمل في السياسة التي هي كما أعرفها «رعاية المصالح»، إذ إن تعرف مصالح الناس وأن تخدمها في معزل عن الايديولوجيات، هنا السياسة عمل خدمي بالأساس بمعنى أنها القدر على خدمة الناس، السؤال: هل من يقوم بالعمل السياسي قادر على فعل تلك المصالح أو لا؟

عباس المرشد: وما علاقة هذا بضرب الهوية الوطنية، حين نكون محاطين بهذا العدد الكبير من الجمعيات السياسية التي لا تجيد العمل السياسي، ماذا نكون قد أنجزنا في حدود تقوية وتعزيز الهوية الوطنية؟

السيدكامل الهاشمي: من تتبعنا للتاريخ ستدركون أن ما يخرج للسطح هو مجموع الانتماءات الدينية والطائفية أو الايديولوجية ولذلك تصبح الهوية الوطنية في الظل، وكما هي تجربتنا الآن في البحرين، يؤسفني أن أقول إننا لم نتوقف لمراجعة تجربتنا. يقول علماء الأخلاق إن الفعل حتى يكون أخلاقيا تشترط فيه ثلاثة أمور، أولا: المشارطة قبل العمل، ثانيا: المراقبة أثناء العمل، والمحاسبة بعد العمل ثالثا. بمعنى أن هناك اشتراطات للعمل الأخلاقي، والفعل إذا خلا من هذه الاشتراطات كاملة فهو ليس كاملا، وهذا الأمر لا ينحصر بالعمل السياسي بل حتى بالأمر الديني أو العبادة الدينية، أعتقد أن المشكلة التي حدثت فيما يسمى بتجربة الإصلاح السياسي في البحرين أنها انطلقت بفعل دون أية مشارطة أو مراقبة أو محاسبة ولذلك انتهت اليوم إلى أزمة نتورط بها.

أنت تطرح مشكلة وتشكل على جميع الأطراف طريقة عملها، سواء الدولة أو الجمعيات السياسية أو حتى الأفراد. وهي مشكلة متعددة الآفاق. ولكن، هل تملك الجمعيات السياسية برامجَ سياسية علمية ومحترفة بالمعنى الدقيق؟ هل هناك برامج عمل سياسية حقيقية.

عبدالنبي العكري: أولا، لديّ تعليق على ما تحدث به جناحي، بالإضافة إلى الطرح الايديولوجي فإننا يجب ألا نغفل مسألة حس الانتماء أو العصبية الحزبية، شخص مضى على عضويته في حزب أكثر من ثلاثين سنة من الصعب عليه أن يخرج منها هكذا، الأحزاب في بعض العقليات هو أغلى من العلاقات الأسرية. إلى جانب أن هناك أطرافا أخرى دخلت لتغوي البعض ولتبعدهم عن العمل المشترك وهذا ما يراد التحقق منه.

بالنسبة للبرامج في الجمعيات السياسية، بالتأكيد أن لكل مجموعة عقيدة أو ايديولوجية، وهناك فرق بين الاثنين، على سبيل المثال تؤمن جمعية ما بضرورة المساواة وعدم التمييز فيما تؤمن أخرى بأن الفرص متاحة وأن من أصبح غنيا فقد أصبح كذلك وهو حقه، بعض الجمعيات الجدية وغير المفبركة لديها قيم ورؤية وعقيدة وعلى أساس هذه القيم تصيغ برامجها، وحين نسأل: إلى أي مدى تمت صياغة هذه البرامج؟ فهناك تفاوت في هذا الأمر، حينما نتكلم عن جمعية العمل فهناك برنامج سياسي تفصيلي في الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وحتى في العلاقات الدولية، وهذا دائما كان ولايزال من التقاليد الحزبية إذ تؤسس ما هو بديل لرؤية الحزب الحاكم حسب التعابير الحزبية.

إذا الجمعيات تمتلك رؤية وخططا، هذه الخطط توجهات أساسية وليست تفاصيل دقيقة، هناك دولة وحزب حاكم، والجمعيات السياسية لابد أن تملك رؤية بديلة في إدارة الدولة، وهو ما يجب أن يكون البديل المطروح للطريقة التي يدير بها الحزب الحاكم للدولة. في الدول الديمقراطية والمتطورة، الأحزاب شريك في الدولة وفي قرار الدولة وهو أساسي داخل كل تجربة ويمكنكم في هذا السياق مراجعة النموذج الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي، في تلك الدول توفر الدولة للأحزاب كل شيء، له مراكز بحث وساعات في الإعلام وصحافة خاصة فيه، وأجهزة الإعلام متاحة له. الجمعيات السياسية في البحرين مهمشة وإمكانياتها محدودة. وبالإضافة لذلك، نجد في البحرين أن لكل جمعية في البحرين رؤيتها الخاصة حيال كل ملف من الملفات.

النائب محمدجميل، ما تقييمك للقضايا التي تأسست عليها الجمعيات السياسية وكذلك بالنسبة لبرامج العمل السياسية هل هي محترفة؟

محمدجميل الجمري: بالنسبة لتجربة الوفاق، هي مجموعة قامت أساسا على مجموعة من العاملين الذين كانوا يمتلكون الهموم نفسها حول القضايا الوطنية كالتجنيس والبطالة وملفات أخرى شكلت موضع اهتمام عند هذه الجماعة. أتصور أن الدفاع عن المواطن الارتقاء بمستواه المعيشي هي القضايا الرئيسة التي جمعت هذه الأعداد الكبيرة من النشطاء منذ التسعينيات للتشكل في سياق جمعية الوفاق.

أنت إذا تقول إن جمعية الوفاق تأسست في إطار مدني وليس طائفيا؟

محمدجميل الجمري: في الأساس، نحن لم نتشكل للدفاع عن الطائفة الشيعية أو للحصول على مكاسب محددة للطائفة الشيعية، الذي حدث أن مجموعة ألفت العمل مع بعضها بعضا وتجمعت وربما لأنها تنتمي لطائفة واحدة قد يكون هذا السبب في أن يتم تصنيفها من قبل البعض بأنها من طائفة واحدة أو طائفية. الوفاق لا ترى أنها طائفية وهناك اعتراف كبير من الإخوان السنة بأننا لسنا طائفيين وأننا في موضع احترام، صحيح أنه ليس لدينا أعضاء سنة، لأننا كنا مجموعات عملت مع بعضها بعضا وتجمعت ولم نكن نود أن تقتصر العضوية على الطائفة الشيعية لكن الظروف المحيطة أثرت. كانت هناك محاولة لجمع أكبر شرائح المجتمع وليس رجال الدين فقط، بل المثقفون والتكنوقراط وأعداد كبيرة من أبناء المجتمع.

عباس المرشد: بالنسبة لقضية دعم الوفاق لوزير شئون البلديات والزراعة منصور بن رجب قبالة استجواب النواب السنة، فإن الجميع صنف هذا الفعل السياسي للوفاق بأنه ردة فعل طائفية صرفة، ما تعليقك؟

محمدجميل الجمري: الذي أريد أن أؤكده أن الوفاق حين بينت موقفها من الاستجواب أنها استندت إلى القانون الخاص بالاستجواب، كان هناك خلل قانوني ولم يكن الأساس دعم الوزير لأنه من الطائفة الشيعية، الاستجواب كان يتناقض مع اللائحة الداخلية ونحن في اللجنة المالية والاقتصادية صوتنا على ما لدينا، وما لدينا كان مخالفا للقانون في أكثر من سياق.

ديمقراطية الجمعيات السياسية محور آخر نود أن نتطرق له، سنبدأ مع السيدكامل الهاشمي؟

السيدكامل الهاشمي: المدارس السياسية ثلاثة، الواقعية والمثالية والذرائعية المكيافيلية، كل المدارس انقسمت إلى فلاسفة ومنظرين وممارسين، وهذه التطبيقات تبدو جدا واضحة في السياسية الأوروبية وهي ملتبسة هنا بشكل واضح، في المستويين الأول والثاني نحن لا نمتلك فلاسفة أو منظرين سياسيين، ليس لدينا من يصنع رؤية أو من يحدد لنا رؤية، نحن لدينا ممارسون فقط. ومن هنا الإشكالية التي وجهت للوفاق والتي ستوجه لجميع الجمعيات السياسية الإسلامية منها والعلمانية. الدولة الطائفية التي مازالت قائمة في التجربة العربية والدولة التي أتكلم عنها في مفهومها السلطوي لا مفهومها الجيوبولوتيكي، الدولة الطائفية هي التي تنتج المجال الطائفي، لماذا تصبح الوفاق من طائفة واحدة، لأنها نتجت في إطار دولة طائفية والدول لا تريد إلا جمعيات طائفية، وهكذا تحول الأمر إلى البرلمان، فالدولة تريد البرلمان طائفيا، ولقد كتبت هذا الأمر في مقال ورفضت الصحافة نشره وقد تنبأت بأن تكون التجربة البرلمانية طائفية، والسبب في ذلك استبعاد التيار الوطني الذي هو مؤشر الميزان الذي كان من المفترض أن يفصل بين الجبلين الطائفيين ويمنع عن الاحتكاك الطائفي، وحين أبعد هذا المؤشر تعطل عمل البرلمان إذ كلما طُرح ملف من الملفات تم الاصطفاف طائفيا. الجميع دخل للدولة وفق الاشتراطات الطائفية التي اشترطتها وهكذا مرت الأيام، فكانت الوفاق طائفية مع بن رجب وكانت الأصالة والمنبر طائفيين في وقوفهما مع الوزير عطية الله.

نحن في حقل مغناطيسي طائفي، وكلنا منجذبون له، لا الأمور على هذا المنوال، كل المؤسسات في البحرين طائفية.

جناحي، هل تعتبر الجمعيات السياسية تمارس عملا ديمقراطيا في عملها أو آلياتها الداخلية، هل هي نظم ديمقراطية أم هي شبيهة لنظام الدولة نفسه؟

عبدالله جناحي: لا أستطيع تقييم الجمعيات الأخرى لأني لست متابعا لآلياتها الداخلية، بالنسبة لجمعية العمل التي أستطيع تقييمها.

الجمعيات الأخرى جزء منها جمعيات اصطناعية ولم تكن تفكر هذه الجماعات أن تدخل في الحقل السياسي، والبعض منها دينيا لديهم موقف من ذلك مثل السلف. النظام السياسي حاول إدخال هؤلاء للحقل السياسي وبالتالي دخلت هذه التيارات على خلفية فتاوى من العواصم على قبالة «أهون الشرين»، هذه الجمعيات التي خلقت لا ديمقراطية فيها لأن مرجعياتها خارجية، سواء أكانت الدولة أو مرجعيات الزعامات التاريخية، وهذا ينطبق على جمعية الوفاق أيضا، التي لاتزال رغم نظامها الأساسي ترتبط بالطائفة وبرجال الدين وسلطتهم المطلقة، المجتمعات ذات الأساس الديني لابد أن تكون ذات طوائف، ويمكننا استثناء التجربة المغربية لأن هناك اختلافا رئيسيا.

من يعتمد على مرجعية خارجية تتعطل ديمقراطيته الداخلية، لابد أن تكون المرجعية الأساسية منحصرة في القاعدة والمؤتمر العام، وحين يكون الهيكل الحزبي يعطيك اللجنة المركزية أو اللجنة الاستشارية في جمعية الوفاق وتتخذ هذه اللجنة موقفا سياسيا يتعارض مع المرجعية الدينية خارج الجمعية فإن ذلك يتعارض مع المرجعية الرئيسية والتي هي المؤتمر العام إذ يتم تغليب رأي المرجعية الدينية.

على صعيد جمعية وعد، الديمقراطية الداخلية تطورت بشكل جميل وهادئ، أصبح المؤتمر والانتخابات للهيئة القيادية اللجنة المركزية يحتوي على صراعات ولوبيات، حتى الرموز التاريخية المؤثرة كاريزيميا لم تعد لها القوة في فرض أسماء دون أخرى، والانتخابات الأخيرة كانت دليلا حين سقطت أسماء كبرى كانت القيادات التاريخية ترغب فيها. هناك تنوع وقطاعات داخل الجمعية متضاربة وهو دلالة على أن ديمقراطيتنا مفتوحة.

الجزء الثاني من الديمقراطية أن الأمين العام والمكتب السياسي إذا ما تم التفكير في إعطائهم المزيد من الصلاحيات معناه أن نفكر في الأحزاب الستالينية، الحزب يمثل الطبقة العاملة ويتحول إلى حزب يمثل الحزبيين فقط، ثم يتحول إلى اللجنة المركزية والمكتب السياسي ثم يتحول إلى الأمين العام للحزب فقط، كيف نستطيع أن ننهي نزعة الاستفراد بالسلطة؟ نستطيع ذلك عبر وجود ثقافة حزبية وعبر تعزيز دور اللجنة المركزية التي ستكون المحاسب والمراقب بل وبيدها تغيير الأمين العام.

عبدالنبي العكري: الديمقراطية لا تكفي لتقييم الأحزاب، المراقبة والشفافية والمحاسبة، نحتاج إلى إطارات متكاملة تكمل بعضها بعضا، هناك اللجوء إلى الاستفتاء وهناك ضرورة نشر رأي الأقلية إلى جانب الأكثرية. بشكل عام هناك آليات كثيرة لابد من مراعاتها والتقنيات التي تمثل في مجموعها عوامل تقييم التجارب الحزبية.

محمدجميل الجمري: بالنسبة للوفاق، سأتحدث عن وجود انتخابات واستئناس بآراء أخرى من خارج المنظومة الحزبية أو السياسية للجمعية، البعض يكيلون الاتهامات للوفاق على خلفية علاقتها بالتيار العلمائي في البحرين ويصفون هذا الارتباط بأنه خروج عن الديمقراطية داخل الجمعية وهذا الكلام به العديد من المغالطات ويحتاج إلى توضيح.

نحن نقوم في معالجتنا للعديد من القضايا بالاستئناس بآراء العلماء والفقهاء وكذلك المثقفين والمختصين، ونحن في أكثر من ملف كنا نستعين بهؤلاء للاستفادة من خبراتهم، ومع ذلك فإننا في الانتخابات النيابية السابقة سنلاحظ أن العديد من المرشحين لتمثيل الوفاق كانوا قريبين لبعض رجال الدين لكنهم لم يحصلوا على ثقة مجلس شورى الوفاق الذي اعتبر الكفاءة والخبرة شرطين رئيسيين في اختيار المرشحين للانتخابات.

نعم في الملفات ذات الطابع الديني والفقهي، نحن نسأل الفقهاء عن الحكم الشرعي ولأننا جمعية إسلامية بالأساس فنحن نتأثر بمحض إرادتنا لأننا إسلاميون بما ينتج عن رجال الدين من قرارات، ولكننا نحافظ في داخلنا على التسلسل الإداري والقانوني لعمل الجمعية. وفي المحصلة نحن نعتبر الاستئناس بآراء المتخصصين من فقهاء أو إعلاميين أو أي مختصين في أي من التخصصات ضرورة لابد من الاستعانة بها، في المسألة الدستورية نحن لجأنا إلى القانونيين والدستوريين ولم نلجأ لرجال الدين، وكذلك بالنسبة للجنة جديدة كانت مهمتهما تقييم أدائنا وخططنا الإعلامية، وطلبنا من اللجنة الاستفادة من أراء الإعلاميين في البحرين من خارج الجمعية لكن القرار النهائي يبقى مصدره الجمعية ومجالسها مؤسساتها الداخلية وليس الخارج.

نعم هناك قضايا حساسة حدا، وتكون فقهية، وفي هذا السياق فنحن نستعين بآراء العلماء ونتأثر بها وهذا ضمن نطاق إيماننا الخاص والذي بنينا كياننا السياسي بالاعتماد عليه. ولكننا أولا وأخيرا لا ننتج قراراتنا إلا عبر التصويت الذي هو آلية الفصل الرئيسة في اتخاذ قراراتنا.

عبدالنبي العكري: الدراسة جهد ممتاز يستحق التقدير والاحترام، وفي الحقيقة استمتعت جدا بقراءتها وخصوصا أنها ألقت الضوء على العديد من المفاصل التي كانت ولاتزال تحتاج إلى الدرس والتمحيص. ولديّ في هذا السياق بعض الملاحظات، ومنها:

- لا أعتقد أن جمعية العمل الديمقراطي (وعد) هي امتداد للجبهة الشعبية، كلنا نعرف أن جمعية وعد دخل فيها أناس من الشعبية ومن خارجها، والقياديون اليوم في وعد ليسوا القياديين في الجبهة الشعبية، وليس البرنامج هو البرنامج، وليست الأساليب ذات الأساليب.

- هناك إدعاء بأن عبدالرحمن النعيمي يمتلك القرار، هناك أناس يخطئون عبدلرحمن النعيمي ولا يتفقون معه في العديد من القرارات. هناك مراكز قوى ولكنها لم تصل إلى حدود اللوبيات. هناك نقد قاسٍ تم توجيهه للجمعية، ولكن المجتمع تقليدي وهذه مشكلة عامة.

- بالنسبة للمصالحة بين عبدالرحمن النعيمي والشيخ عيسى قاسم، لم يكن هناك عداء شخصي بل كان هناك اختلاف في بعض الآراء مثل قانون الأحوال الشخصية وغيرها من القضايا.

- بالنسبة للمرأة، الجمعية لم تصنع كوتا في الانتخابات الأخيرة وفشلت جميع العضوات في الوصول. هناك مشكلة اجتماعية في تمكين المرأة وليست هناك مشكلة في النظام الداخلي لوعد.

- بالنسبة للمكتب السياسي فهو منتخب بأكمله، وكذلك بالنسبة لمكتب الشباب، كان هناك عنصر ارتباط غير منتخب والآن هو أيضا منتخب.

- بالنسبة لمستقبل الجمعية، هل ستصبح جمعية العمل الوطني (وعد) جماهيرية بحدود الوفاق وجماهيريتها، هذا أمر مستحيل، وهو ليس ميزة في الوفاق أو عيبا في وعد، ولكنها نتيجة طبيعة لثقافة المجتمع ككل، الطائفية في مجملها ليست مشكلة، ولكن المشكلة أن تتحول الدولة لمشروع الطائفة وهو ما حدث من عهد المأمون تحديدا، حين جعل من المعتزلة القوة السياسية ومن الآخرين مطاردين. إن صيرورة مجتمعنا مختلفة عن صيرورة المجتمعات الأخرى ولابد من مراعاة هذه الفوارق، خذوا مثال ذلك الانتقال بين الأحزاب، مثال ذلك كوشنير اليساري الذي انتقل لحزب ساركوزي اليميني، وكذلك الانتقال بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وهذا ما لا يحدث عندنا البتة وما لا تقبله ثقافتنا وتنظيمنا الاجتماعي المعقد.

- لا تحتاج الوفاق إلى تبرير أن لا يكون سنة في جمعيتها، لكن المشكلة أن تتوجه طائفيا لمصلحة أعضاء الطائفة. وكذلك بالنسبة للجمعيات الأخرى، سأوضح لك مثالا مهما في الحزب الديمقراطي المسيحي في هولندا، والذي في أعضائه من هم ليسوا مسيحيين، فالتسميات الدينية لديهم مجرد تسميات تاريخية لا تأثير لها.

محمدجميل الجمري:

البحث ممتاز كما ذكر الزميل، وسأتوقف في بعض المحطات:

- المرأة كانت قبل الوفاق أضعف عما هي عليه الآن، نحن لم نأتِ للمجتمع والمرأة ذات دور فيه، والآن نحن نحاول إشراك المرأة في جميع المؤسسات الداخلية في الجمعية، هناك عزوف نسوي بسبب مشكلة ثقافية واجتماعية، والوفاق في كثير من المواقف تسعى لتجاوز هذه المشكلة محلها عبر التدريب والتطوير وتمكين المرأة لتأخذ موقعها في مؤسسات صنع القرار بوصفها شريكة رئيسية للرجل. المرأة دخلت في مجلس شورى الوفاق منذ الدورة الانتخابية الأولى، وكن ثلاث عضوات وفي الانتخابات الثانية تمت إضافة عضوة جديدة ونافست على أمانة سر مجلس الشورى وربحت المنصب.

- بالنسبة لشمولية القرار السياسي في الأمين العام الشيخ علي سلمان، فأنا أتحفظ على ذلك، فالأمين العام في الكثير من المداولات لا يقوم بطرح رأيه إلا في آخر الحوار، هناك الكثير من القرارات التي تم اتخاذها دون موافقة الأمين العام الشخصية وذلك عبر نتيجة التصويت.

- تحدثت في ورقتك عن غموض في العلاقة بين الوفاق والمرجعية، وأنا تحدثت عن هذه النقطة فيما سبق وبينت مسألة الاستشارة المتخصصة وأن الوفاق لا تلجأ إلى علماء الدين إلا في القضايا الفقهية وذلك لأنها في الأساس جمعية إسلامية .

عبدالنبي العكري: لا يمكن أن توجد ديمقراطية متطورة في ظل نظام مشوش، ديمقراطيتنا هي نموذج للمستوى الأقل من الديمقراطية، والأخطاء ليست من الدولة فقط بل هي نتيجة في بعض الأحايين للمجتمع. هذه الديمقراطية معاقة في أكثر من سياق.

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً