العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

«ملثمو المولوتوف»... ظاهرة تهدد بحرق مستقبل الشباب

الوسط - محرر الشئون المحلية 

28 يوليو 2008

ثمة شباب مراهقون يرغبون في تفريغ طاقاتهم المكبوتة، ويجد هؤلاء متعة في الزجاجات الحارقة (المولوتوف)، إنه تعبير عن القدرة ورغبة استعراضية في إثبات الوجود في مرحلة اجتماعية تشعل الشاب وسط هواجس. إنه مؤشر ينذر بالخطر...لأن «المولوتوف» أضحى من ضمن الهوايات المفضلة أو من صنوف «الموضة» لدى بعض الشباب الذين يقعون ضحية التسييس المفرط والخطاب السياسي ضيق الأفق. ويشير الواقع إلى وجود من يستغل هؤلاء الشباب لمآرب وأجندة أخرى تحت شعارات حماسية لا مكان لها في التطبيق على الأرض ولا موقع لها من المطالبة بالإصلاح كما يرى الكثيرون. a

وربما كشفت الحوادث الأمنية الأخيرة لدى بعض المراقبين خشية من وجود سياسيين يقتاتون على هذه الظاهرة، وهؤلاء يتخذون مئات الشباب الذين يفترض أن يعيشوا ريعان عمرهم ولكنهم الآن خلف القضبان ذريعة لأفكار متطرفة لا تتسق مع الواقع والقدر المتاح من حرية التعبير في البحرين. هؤلاء الشباب يعانون الآن وسيعانون أكثر حين يفقدون كل فرص العمل والتنمية والاستقرار، لا لشيء سوى أنهم كانوا ولا يزالون ضحية لغيرهم... قرابين من يوجهونهم وهم يعيشون في بحبوحة من الرفاهية.

ويشير باحثون في تعليقهم على هذه الظاهرة إلى أن طبيعة الشاب في هذا العمر يحلم أن يكون بطلا...أو على الأقل ضمن حواريي «الأبطال الكبار»... وليس مهما إن كان الكبار يبحثون عن بطولة حقيقية أو وهمية... قادة نحو الإصلاح أم وقود نحو التأزيم المستمر الذي يجلب على الكثير من الأهالي في مختلف المنطق مخاطر وارتدادات سلبية جمة من بينها العقاب الجماعي أو الحرمان من المشروعات التنموية والخدمية التي تفتقر إليها هذه المناطق.

هل من يجرأ أن يقول جهارا نهارا لهؤلاء الأطفال «توقفوا»... أو من الأولى أن يقال للكبار توقفوا عن استغلال الشباب في صناعة الرموز والنجومية على حساب مستقبلهم الدراسي والاجتماعي... غالبية هؤلاء الفتية ليس لهم إدراك بالمطالب السياسية، إنهم ضحايا ولكن ضحايا من نوعٍ آخر.

في غالبية الليالي تتحول واجهات ومداخل القرى إلى ساحة مواجهة... إطارات تشتعل على الشارع... حجارة وزجاجات حارقة هي الهواية المفضلة لبعض الشباب في مواجهة رجال الأمن حتى مطلع الفجر.

منشأ الخطورة أن ثمة من يصوّر لهم الأمر أن الساحة ساحة بطولة وأن من أراد أن يلتحق بركب النضال المزعوم عليه أن يترك دراسته، وينسحب من عمله من أجل أن يكون مصابا في المستشفيات أو رهن الاعتقال في السجون حتى يستغلهم كورقة سياسية.

وقد عبر عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة - خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف المحلية أخيرا - عن استغرابه من توجيه الأطفال إلى ممارسة العنف وحمل الزجاجات الحارقة «التي قد تحرقهم وهم أطفال لا يعلمون خطورة ما يقومون به من أفعال». وأكد جلالة الملك أن هؤلاء الأطفال موجهون ومغرر بهم من أشخاص «لا يريدون للوطن خيرا».

وكان قد صدر عن عاهل البلاد - بعد تصديق مجلسي الشورى والنواب - القانون رقم 14 الذي نص على إضافة مادة جديدة برقم 277 مكررا إلى قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1976 نصها الآتي «يعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع عبوات قابلة للاشتعال أو الانفجار بقصد استخدامها في تعريض حياة الناس أو الأموال العامة والخاصة للخطر أو حاز أو أحرز مواد ما صنّع منها لذات الغرض».

ويؤكد النائب الأول لرئيس مجلس النواب غانم فضل البوعينين أن استغلال الأطفال وزجهم في أعمال الشغب والتخريب «لا يمكن السكوت عنه وسنتصدى له عبر الوسائل القانونية المشروعة، وإن من يقوم بهذا العمل يكون قد خان الأمانة الوطنية والدينية في توجيه الأطفال والشباب واستثمار طاقاتهم نحو ما ينفعهم وينفع بلادهم في المستقبل».

الجمعيات السياسية التي تمثل إطارات متنوعة أدانت في الكثير من المحطات استخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية، وخصوصا أن البحرين لديها الكثير من قنوات التعبير عن الرأي بدءا من السلطة التشريعية والصحافة والمسيرات السلمية، وليس من بين تلك الوسائل الزجاجات الحارقة.

ويشدد الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية النائب الشيخ علي سلمان - غيرة مرة - أن «المشكلات السياسية لا يحلها (المولوتوف)، ولن يحلها الحجر أو حرق الإطارات والإشارات، ولن تحل من خلال حرق سيارات الشرطة، ويجب أن يكون التعبير سلميا عبر القنوات المتاحة». وكذلك الشيخ عيسى قاسم الذي أشار في خطبة الجمعة الأخيرة - ما معناه - أن «المولوتوف» لا يحل أزمة وكذلك تعطيل التطوير في القرى لا يحل أزمة.

ويطالب نشطاء المعارضة - حتى أولئك الذين قاطعوا الانتخابات البرلمانية - بالابتعاد عن كل ما من شأنه التوتير الأمني في الساحة الوطنية، والتركيز على الأساليب السياسية السلمية في المطالبة بالحقوق الوطنية، بما في ذلك المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، فالأساليب السياسية السلمية هي الأقدر على تحقيق المطالب، وهي الأجدر بالمحافظة على السلم الأهلي والعيش المشترك بين جميع المواطنين.

«لا يؤخذ الحق بإزهاق الأرواح»

ويدعو الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف لممارسة ضغوط من قبل المجتمع لحث الشباب على عدم استخدام أعمال العنف وخصوصا «المولوتوف»، وأكد شريف أن «هناك حاجة لدعوة الشباب إلى عدم استخدام أية وسيلة من وسائل العنف، لأن (المولوتوف) ليس وسيلة تعبير سلمية، ولكن المشكلة أن الشباب يستمعون لمن (...) لم يعد الموضوع فرديا، فهناك نحو 100 شاب في المعتقل الآن بالإضافة إلى عشرات الشباب الذين أفرج عنهم في المرات الماضية».

ويحذر شريف من أن «الذين يشاركون في الأحداث أصبحوا بالمئات وليس العشرات كما كانوا في السابق، بغض النظر عن كل المسببات ولكن (المولوتوف) سلاح ويمكن أن يكون سلاحا قاتلا، ولا بد من ضغوط شعبية وسياسية ونخبوية عليهم (...) ولكن في الوقت ذاته هناك حاجة إلى الضغط على الحكومة لأن المعالجات الأمنية أثبتت فشلها (...) ليست هناك نقطة أسوا من توزيع الثروة، واليوم لدينا عدد كبير من المليارديرات بسب سوء التوزيع، وهناك نوع من الغبن من جراء العدالة الاجتماعية، والإحساس بالفقر أمام ثروة الآخر وهناك من يشعر أنه محروم من قطاع كبير من الوظائف، إذ يتم تفضيل الأجنبي عليهم والذي يتم تجنيسه»، غير أن شريف يؤكد مجددا ضرورة رفض منطق العنف في كل الأحوال، وضرورة تكوين ضغوط على من يمارس أعمال العنف، فالعصيان المدني شيء، و «المولوتوف» ليس إعاقة مرور بل إنه قد يؤدي إلى القتل، ولا يؤخذ الحق بإزهاق الأرواح.

ويعتقد شريف أن «الجزء الكبير ممن يشارك في الأعمال هم من صغار السن ممن هم دون سن العشرين، وهؤلاء ليس لديهم التزاما عائليا، وجزء كبير منهم ربما يكونون متسربين من التعليم، والعلاج الأفضل هو بث الأمل في نفوس الشباب، ويجب عدم إحساس الشباب بالتمييز، ويجب توفير النظام الوظيفي العادل؛ لأن من لا يحس بوجود الشراكة قد يضر بالمشروع، ويجب أن يتوقف الإحساس بالغبن، فهل من المعقول أن رجال الدين في جمعية سلفية ينظرّون لمعاقبة منطقة كاملة بحجة خطأ صادر من بعض الأفراد».

حان الوقت لمراجعة الخطاب المتشدد

ويؤكد باحثون أن «المجتمع مطالب بأن يرشد هؤلاء الشباب، والدولة مطالبة بأن توفر لهم عيشا كريما وعملا لائقا، كما أن نظرة لواقع المناطق التي يعيشون فيها تفرض الحاجة إلى المسارعة في توفير مقومات التنمية لهذه القرى التي دفع الكثير منها ثمنا جراء المشاركة في حركة التسعينيات (...) والمجتمع بمؤسساته الدينية والمدنية وكذلك بفعالياته المختلفة عليه أن يحتضن الأطفال، والواجب الوطني أن يعمل الجميع على انتشال هؤلاء الشباب من براثن المعاناة والحرمان عبر مراجعة الخطاب المتشدد وصنع الأمل في عيون الشباب».

وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الظواهر الاجتماعية الخاطئة ليست حكرا على الواقع البحريني، بل هي موجة تجتاح الكثير من المجتمعات، ومعالجتها تتطلب شيئا من الجرأة والحزم وتوفير بيئات للإبداع لدى الشباب، ولكن يتفق الكثيرون أن «الزجاجات الحارقة» ليست حلا لأي من المشكلات السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية، بل إنها أضحت طريقا سالكا لدى البعض لمن يتخذها ذريعة لممارسة مزيد من التهميش ووقف معاول البناء والإعمار.

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً