العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ

حديث مع المدير العام لمنظمة التجارة العالمية

جاسم حسين jasim.hussain [at] alwasatnews.com

شاركت في المؤتمر البرلماني عن منظمة التجارة العالمية في جنيف بتاريخ 11 و 12 سبتمبر/ أيلول الجاري، وذلك في إطار عضويتي باللجنة الاقتصادية في مجلس النواب. وقد سنحت لي المشاركة بتوجيه سؤال مباشر للمدير العام لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي، عن مستقبل جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية على خلفية عدم إحراز تقدم في الاجتماع الوزاري المصغر الأخير الذي عقد في مقر المنظمة في شهر يوليو/ تموز الماضي.

انعقد المؤتمر البرلماني بشأن منظمة التجارة العالمية في ظل ظروف غير عادية فيما يخص جولة الدوحة التي انطلقت من العاصمة القطرية في نهاية العام 2001. يشار إلى أن هناك خلافات بين الجهات الرئيسية في المنظمة (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، اليابان، أستراليا، الهند، البرازيل) بشأن بعض القضايا الحيوية وخصوصا الدعم المقدم للقطاع الزراعي. والملاحظ أننا لم نشمل الصين في هذه الخانة نظرا إلى تمتعها بفائض تجاري قدره 152 مليار دولار للشهور الثمانية الأولى للعام 2008 نتيجة تبنيها سياسة تعزيز الصادرات والحد من الواردات. وعليه، فإن الصين (التي انضمت للمنظمة مع انطلاق جولة الدوحة) ليست مؤهلة لاتهام دول أخرى بعرقلة التجارة الدولية.

عدم استقرار القطاع الزراعي

تتركز نقاط الخلاف بين التكتلات الرئيسية في مفاوضات الدوحة على الدعم الأميركي للقطاع الزراعي من جهة، والتعريفات التي تفرضها بعض الاقتصادات الصاعدة على الواردات الزراعية من جهة أخرى. ولفت انتباهي إجماع الوفود البرلمانية المشاركة على أن عدم الاستقرار في القطاع الزراعي يعد سببا جوهريا لأزمة الغذاء في العالم. وبدورها، تغذي أزمة الغذاء لهيب ظاهرة التضخم التي تعاني منها اقتصادات دول مجلس التعاون. ويعتقد بأن مشكلة ارتفاع المواد التموينية مسئولة عن نحو 30 في المئة من معضلة التضخم في المنطقة.

وبالعودة إلى موضوع عدم الاستقرار، هناك تدخل من قبل بعض الجهات للحد من توافر المنتجات الزراعية لضمان ارتفاع وبقاء الأسعار مرتفعة. والإشارة هنا إلى أمور مثل إصرار دول الاتحاد الأوروبي على التخلص من بعض المنتجات الزراعية بدل المتاجرة فيها لغرض المحافظة على الأسعار. إضافة إلى ذلك، تقوم بعض الاقتصادات الصاعدة مثل الهند بالحد من تصدير الرز من نوع «البسمتي» بهدف التأثير على الأسعار مستفيدة من شهرة المنتج لدى المستهلكين على مستوى العالم. وتبرر بعض الأطراف المصدرة هذه السياسة للتعويض عن تداعيات ارتفاع أسعار المنتجات النفطية في النصف الأول من العام 2008. وتستورد الهند نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة (النفط والغاز) من منطقة الشرق الأوسط وخصوصا من دول مجلس التعاون الخليجي.

تداعيات فشل جولة الدوحة

وكنت قد وجهت سؤالا مباشرا إلى المدير العام لمنظمة التجارة العالمية في الحلقة الحوارية بخصوص مستقبل جولة الدوحة وتداعيات فشل المفاوضات. ومن ضمن الأمور المثيرة، شدد لامي على أن طول فترة المفاوضات يعد أمرا عاديا في الاتفاقيات الثنائية فضلا عن المتعددة الأطراف. ولم يجد محدثنا مثالا أفضل من طول فترة المفاوضات المتعلقة بإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. وكانت المفاوضات قد انطلقت قبل نحو 20 عاما ولم يتم توقيع الاتفاقية التي طال انتظارها بسبب تلكؤ الجانب الأوروبي.

ويعود الأمر إلى قيام الاتحاد الأوروبي (الذي زاد عدد أعضائه من 15 عند انطلاق الجولة إلى 27 دولة في الوقت الحاضر) بوضع شروط جدية بين الحين والآخر. وتشمل بعض الشروط المستحدثة قضايا مثل احترام حقوق البيئة وضمان حقوق العمالة الوافدة، لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يرغب في منح دول مجلس التعاون الخليجي فرصة الانكشاف على 27 اقتصادا من دون الحصول على تنازلات. كما أن الجانب الأوروبي ليس في عجالة من الأمر نظرا إلى تمتعه بفائض تجاري مريح يزيد على 13 مليار دولار بحسب آخر الإحصاءات المتوافرة.

خطر الاتفاقيات الثنائية

وإضافة إلى ذلك، شدد لامي على خطورة الاتفاقيات الثنائية كبديل للاتفاقيات المتعددة الأطراف لسبب جوهري هو قدرة الطرف القوي على فرض شروطه على الطرف الضعيف. وعلى سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة شروطا على البحرين قبل دخول اتفاقية التجارة الحرة الثنائية حيز التنفيذ في أغسطس/ آب من العام 2006. وشملت الشروط أمورا مثل تعديل قوانين الملكية الفكرية وتعزيز حقوق العمالة الوافدة. كما اضطرت عُمان إلى تغيير القوانين المتعلقة بالعمالة الوافدة قبل أيام من تصويت الكونغرس على اتفاقية التجارة الحرة مع السلطنة في صيف العام 2006. والأمر نفسه ينطبق على الاتفاقيات الإقليمية حيث ترغب إحدى الجهات بفرض شروطها على الطرف الآخر. وكما أسلفنا، يصر الاتحاد الأوروبي على فرض شروطه على مجلس التعاون الخليجي قبل إنشاء منطقة للتجارة الحرة.

من جهة أخرى، أصر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية على أن الاتفاقيات الثنائية لا يمكن أن تكون بديلا عن الاتفاقيات المتعددة الأطراف لأسباب عملية. فبين بأنه لا يمكن لأي دولة حتى وإن كانت صاحبة أكبر اقتصاد (والإشارة هنا إلى الولايات المتحدة) إبرام اتفاقيات مع عشرات الدول ذات قوانين وأوضاع اقتصادية متباينة، بل هناك قضايا مثل الحفاظ على البيئة لا يمكن حلها بواسطة الاتفاقيات الثنائية.

تفاؤل حذر

وقد انهي المؤتمر أعماله بتفاؤل تحقيق تقدم ملموس لجولة الدوحة في العام 2009 نظرا إلى أهمية القضايا العالقة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. فقد كشفت تجربة الشهور القليلة الماضية أن عدم الاستقرار في القطاع الزراعي يهدد السلم الاجتماعي في الدول النامية لما للأمر من تداعيات على معيشة الناس. وربما يتم تحقيق تقدم على بعض المسارات الأخرى وخصوصا الخدمات وترك مسألة المنتجات الزراعية لنهاية المطاف.

بدورنا، نرى صواب إصرار منظمة التجارة العالمية بقيادة لامي على وضع نهاية سعيدة لجولة الدوحة، لأن عواقب الفشل قد تكون وخيمة على الاقتصاد العالمي

إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"

العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً