أكدت مصادر لـ «الوسط» أن الشركة الألمانية التي عيّنتها وزارة الأشغال لتطوير محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي لم تحرك ساكنا منذ بدء عملها في البحرين، وبيّنت أن كل ما لدى هذه الشركة في المحطة هو مكتب وسكرتيرة، ومهندس ألماني غير موجود باستمرار ولم يحقق أي تقدم على صعيد العمل في زيادة الطاقة الاستيعابية للمحطة.
وأشارت المصادر إلى أن محطة توبلي تستقبل حاليا أكثر من 400 ألف متر مكعب من مياه المجاري في اليوم الواحد، لكنها لا تستطيع تنقية سوى 130 ألف متر مكعب منها، وتقوم برمي الباقي في خليج توبلي، مشيرة إلى أن هذا الوضع لم يتغير حتى بعد تعيين الشركة الألمانية.
الوسط - أماني المسقطي
توقع نائب رئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية إسماعيل المدني أن تحتاج الشركة الألمانية التي عينتها وزارة الأشغال لتطوير محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي إلى عدة أعوام حتى تتمكن من زيادة الطاقة الاستيعابية لمحطة توبلي.
وأكدت مصادر لـ «الوسط» أن الشركة الألمانية لم تحرك ساكنا منذ بدء عملها في البحرين، وأن كل ما لديها هو مكتب وسكرتيرة في المحطة، ويأتي بين فترة وأخرى أحد المهندسين الألمان من دون تحقيق أي تقدم على صعيد العمل في زيادة الطاقة الاستيعابية للمحطة.
وأشارت المصادر إلى أن محطة توبلي تستقبل حاليا أكثر من 400 ألف متر مكعب من مياه المجاري في اليوم الواحد، ولكنها لا تستطيع تنقية سوى 130 ألف متر مكعب منها، وتقوم برمي الباقي في خليج توبلي، وأن هذا الوضع لم يتغير حتى بعد تعيين الشركة الألمانية.
واعتبرت المصادر أن الحديث الذي دار منذ عام عن تطوير نوعية المياه المعالجة في المحطة لم تنتج عنه أي نتيجة إيجابية حتى الآن، وأن اللجنة المشتركة بين عدد من الوزارات لم تقترح ولم تصدر أي تقرير منذ تشكيلها في العام الماضي.
توقعات باستمرار
مشكلة تلوث الخليج
يأتي ذلك مع استمرار تلوث ونفوق الأسماك في خليج توبلي الذي تفاقم مع فترة الصيف الذي يزيد من نسبة تلوث الخليج نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
وفي هذا الصدد، قال المدني: «أتوقع استمرار مشكلة تلوث خليج توبلي بمياه الصرف الصحي، فبعد أن كانت محطة توبلي تعمل بحسب الحاجة الطبيعية، أدت زيادة السكان وما رافقها من تطور عمراني وازدياد عدد الشركات إلى زيادة أحجام محطات المجاري لتفوق طاقتها الاستيعابية بعدة مرات، مما أدى إلى تأثر مستوى المعالجة، وعندئذٍ زيادة دخول مياه المجاري شبه المعالجة إلى هذا الخليج الضيق والضحل، ونتج عنه تأثر نوعية المياه في الخليج وبالتالي موت الكائنات البحرية، وخصوصا إذا كانت هذه الكائنات مثل بعض الأسماك الحساسة جدا التي لا تحتمل ارتفاع درجة حرارة البحر ووجود الملوثات كأسماك (الميد) و(العفطي)».
وأوضح المدني أن أسباب نفوق الأسماك كثيرة جدا وبعضها طبيعي، ومن بينها ارتفاع درجة حرارة البحر بصورة طبيعية ووجود هذه الأسماك في منطقة بحرية ضحلة شبه مغلقة، غير أن وجود مياه المجاري يزيد من حدة المشكلة ويفاقمها، وهو الأمر الذي يجعل من ظاهرة نفوق الأسماك متزايدة في فترة الصيف وخصوصا في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، لافتا إلى أن هذه المشكلة تعاني منها كل من الكويت وعُمان أيضا.
وأكد المدني أن الحل يكمن في منع أي مصدر من مصادر التلوث في هذه المناطق البحرية الحساسة، لافتا إلى أن الهيئة العامة تراقب الوضع وأن وزارة الأشغال هي المعنية بتحسين الوضع البيئي المتدهور لخليج توبلي.
كما تطرق المدني إلى بعض الظواهر البيئية التي تحدث وتؤدي إلى التلوث البيئي، ومن بينها السحب الصفراء التي عادة ما تظهر نتيجة لوجود ظاهرة طبيعية مناخية تسمى بظاهرة الانقلاب الحراري، والتي تحدث عندما تكون هناك طبقة باردة أعلى الطبقة الحارة، وبالتالي فإنه في حال انبعاث ملوثات من سطح الأرض تمنع الطبقة الباردة انتشار الملوثات في طبقات الجو العليا فتعمل على حبس الملوثات في تلك الطبقة وتراكمها، حتى يزيد تركيزها مع الزمن وتظهر على شكل سحب بنية أو صفراء اللون.
وتابع «لولا وجود هذه الظاهرة المناخية الطبيعية وهي الانقلاب الحراري، لما ظهرت هذه السحب الصفراء التي تعتبر مظهرا من مظاهر تلوث الجوي. كما أن هناك ظاهرة طبيعية أخرى هي وجود أشعة الشمس وازدياد فترة سطوعها، إذ حين تكون أشعة الشمس مرتفعة مع وجود ملوثات في الهواء الجوي، فإن أشعة الشمس تقوم كعامل مساعد بتحويل بعض الملوثات الأولية إلى ملوثات ثانوية خطرة جدا بسبب أشعة الشمس التي تحفز التفاعل الضوئي الكيميائي».
مواد خطرة تؤثر
على محركات طرادات الصيد
أحد البحارة الذين يصطادون في منطقة خليج توبلي محمد مرضي، وصف الوضع في خليج توبلي بـ «السيئ جدا»، وأكد أن الوضع المتدهور في الخليج الذي أدى إلى نفوق الأسماك يعود إلى مياه الصرف المعالجة التي تصب في مياه الخليج، إضافة إلى استمرار عمليات الدفان في الخليج.
وقال: «توقعنا بعد التحركات الرسمية لحماية خليج توبلي أن يتم توفير حراس لمراقبة منطقة الخليج وحمايته من أعمال الدفان، ولكن ما يؤسف له أن الدفان مستمر ومياه المجاري تصب فيه باستمرار منذ عدة أشهر».
وتابع «اعتدت أنا وزملائي البحارين في وقت سابق الجلوس بالقرب من خليج توبلي، ولكن الروائح السيئة جدا الناتجة عن مياه الصرف الصحي التي تصب في الخليج حرمتنا من ذلك. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى تفعيل قانون حماية خليج توبلي».
وأكد مرضي أن البحارة الذين يصطادون الأسماك في خليج توبلي، اعتادوا على مشهد المادة السوداء التي يتم استخراجها من جوف الأسماك التي يتم اصطيادها في الخليج، إضافة إلى أطنان الأسماك النافقة التي يشهدونها يوميا على ساحل الخليج، مؤكدا أن أشجار القرم الموجودة في الخليج تأثرت هي الأخرى كثيرا نتيجة استمرار صب المياه المعالجة في الخليج.
وقال: «المواد التي ترمى في البحر مع المياه المعالجة تعتبر خطيرة جدا، وتأثيرها طال حتى طرادات الصيد الخاصة بنا، فقد تزايدت أعطاب محركات الطرادات، ناهيك عن تغير لون الطرادات على رغم صباغتها بصورة دورية، وهذا يؤكد أن المواد التي ترمى في الخليج ليست شيئا سهلا».
قوانين غير مفعلة
لحماية خليج توبلي
وكانت الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة الفطرية قد أصدرت تقريرا يتحدث عن خطر تراجع المخزون السمكي والعبث بالبيئة البحرية، واعتبره عضو لجنة المرافق العامة والبيئة في مجلس النواب السيدعبدالله العالي أنه ليس التحذير الأول من نوعه، وأن هناك الكثير من التحذيرات المتبادلة بين الهيئة والحكومة، وسبق للهيئة أن اجتمعت بمجلس النواب واستعرضت المشكلة التي تعاني منها البيئة البحرية.
وقال العالي: «يتضح أن هناك إحساسا بالمشكلة من الأطراف كافة، وأن هناك جهودا مبذولة لحلها، إلا أن الملاحظ أن هناك غيابا لإستراتيجية وطنية للحفاظ على الثروة البحرية وعدم وضوح الرؤية لدى المعنيين بالثروة السمكية فيما يتعلق بالأخطار الآنية والمستقبلية، كما أن هناك تغاضيا متعمدا عن هذه المشكلة، وحاجة ماسة لتفعيل المراسيم والقوانين والتشريعات التي لم تلق المتابعة من الجهات المعنية بها».
وأشار العالي إلى أن هناك عددا كبيرا من المراسيم والقوانين والقرارات التي تنظم حماية الثروة البحرية والبيئة التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها، كمرسوم قانون تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، ومرسوم بقانون لإنشاء الهيئة العامة للثروة البحرية ومراسيم بشأن كيفية مباشرة الهيئة العامة اختصاصاتها، وبشأن تنظيمها وآخر بإعادة تنظيمها تبعا للمستجدات والظروف، وقرارات بتشكيل مجلس إدارة الهيئة، وتحديد الوزير المسئول أمام السلطة التشريعية عنها، وتخويل بعض موظفي إدارة الثروة البحرية في الهيئة سلطة الضبط القضائي.
هذا بالإضافة إلى مراسيم وقوانين أخرى كالمرسوم الأميري بإنشاء إدارة جديدة باسم إدارة الثروة السمكية وقرار بالترخيص بتسجيل جمعية حماية الحياة البحرية، وقرار بتعيين مدير لإدارة الثروة السمكية، ومرسوم بقانون بالموافقة على اتفاقية الكويت الإقليمية للتعاون في حماية البيئة البحرية من التلوث والبروتوكول الملحق بها، ومرسوم بالمصادقة على البروتوكول الخاص بالتلوث البحري الناجم عن استكشاف واستغلال الجرف القاري، وبروتوكول حماية البيئة البحرية من التلوث من مصادر في البر، وقانون باعتبار خليج توبلي منطقة محمية طبيعية.
كما تطرق العالي إلى العديد من الاقتراحات المقدمة من السلطة التشريعية باعتبار عدد من المناطق كمحميات طبيعية وصدور العديد من التوصيات والاقتراحات وإقامة الفعاليات المدعومة من السلطة التشريعية والهيئة العامة لحماية الثروة البحرية.
وأكد العالي أن هناك العديد من الدراسات التي نفذها مركز البحرين للدراسات والبحوث والجامعات وعدد من الجهات المعنية بالبيئة، إلا أنه لم تتم الاستفادة منها أو من تجارب الدول الأخرى في معالجة الوضع البيئي في البحرين، والتي يمكن أن ترجع لأسباب عدة بعضها سياسية والأخرى اجتماعية.
وقال: «هناك العديد من الأسباب السياسية التي أدت إلى تراجع الثروة السمكية والمخزون السمكي نتيجة ترسيم الحدود بين البحرين والدول المجاورة، فالبحرين فقدت الكثير من مصائد الأسماك الوفيرة أثناء عمليات ترسيم الحدود بينها وبين قطر من جهة، وبينها وبين السعودية من جهة أخرى».
تخوف من تأثر المخزون السمكي
أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فأكد العالي أن المشروعات التنموية والدفان المتواصل من أجل إقامتها، إضافة إلى تمليك السواحل والشواطئ أدى إلى تدمير مصائد الأسماك وبيئتها بما في ذلك الشعاب المرجانية، وذلك على رغم ما لهذه الثروة من أهمية إستراتيجية للبحرين، ما أدى إلى جعل الأمن الغذائي مهددا نتيجة عدم الاهتمام بالبيئة البحرية وعدم السعي من أجل وضع إستراتيجية وطنية وتوزيع مسئولية تطبيقها على الجميع بمن فيها المستهلكون.
وأضاف « للأسف فإن إنزال الأسماك في العام 2003 بلغ نحو 10 آلاف طن متري بقيمة 10 ملايين دينار بحريني بحسب سعر الجملة، إضافة إلى أن البحرين استوردت في العام نفسه 5 آلاف طن متري من الأسماك بقيمة 4 ملايين دينار، وصدرت نحو 7 آلاف طن متري بقيمة 4 ملايين دينار، وكان استهلاك الفرد من الأسماك في العام نفسه 16.7 كغم للشخص، وإذا ما أخذنا بالاعتبار الزيادة المضطردة في أعداد السكان منذ العام 2003 الذي لم يصل عددهم حينذاك إلى 500 ألف نسمة، إلى تجاوز المليون في العام 2008، فإن المشكلة تتضاعف».
وأشار العالي إلى أن مركز الدراسات والبحوث قام بالعديد من الدراسات التي تناولت الثروة السمكية وقام بتجارب تسهم في عملية تحسين الصيد والمراقبة واستخدام الوسائل العلمية التي تسهم في تحسين الثروة إلا أنها لم تطبق، ومنها تجارب على استخدام أجهزة خفض الصيد الجانبي ودراسات على مصائد القبقب ونظام مراقبة مصادر الروبيان، والقيام بتجارب على استخدام القراقير في صيد أم الروبيان وإنزال شبكة الكنعد، والقيام بمسوحات اجتماعية اقتصادية لمجتمع الصيادين، وإعداد دراسة جدوى لاستزراع سمك السبيطي على نطاق تجاري، واقتراح نظام خليجي موحد لمراقبة مصائد الكنعد، ودراسة تفضيل استهلاك الأسماك وإنشاء قاعدة بيانات للثروة السمكية في مملكة البحرين والقيام بمسح للثروات السمكية الوطنية، ووقوع السلاحف البحرية في شباك جر الروبيان وعمل مسوحات لآراء الصيادين.
وقال: «كل هذه الدراسات كان الأولى أن تأخذ مجالها في التطبيق، إلا أنها لم تجد آذانا صاغية تتحرك من أجل تنفيذها، وزاد على ذلك ما تعانيه البحرين اليوم من تلوث بمياه الصرف الصحي وعمليات غسيل الرمال من دون مراقبة ومن دون اهتمام فعلي بذلك، وخير مثال ما يعانيه خليج توبلي من مشكلات أصبحت مهددة لأكبر بحيرة للثروة السمكية».
وأضاف «كما أن سائر المحميات الأخرى والمناطق المقترحة للحماية كجزيرة الشيخ إبراهيم وفشت العظم وأبولثامة ودوحة عراد لم تنل الاهتمام الكافي لحمايتها، فضلا عن المشكلات الأخرى والمسببات الناشئة من الصيد الجائر، وعِدد الصيد الدخيلة وعدم تنظيم مسألة النوخذة البحريني، إضافة إلى أن الكثير من الهواة والمحترفين لا يراعون خصائص الخليج مما يسهم في نشر الكثير من السموم والمواد الكيماوية التي تهدد البيئة».
كما أكد العالي أن البعض يجلب من الخارج أنواعا من الحيوانات البحرية كالسحالي والثعابين والتماسيح، وهي كائنات دخيلة على بحار البحرين وبيئتها، مؤكدا وجود عينات منها، فضلا عما يقوم به بعض الصيادين من تدمير لمقومات البيئة البيولوجية، ومن أبرزها تدمير أشجار القرم وسحب الرمال من البحر وغيرها.
العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ