وزيرة خارجية سويسرا قطعت عطلتها وأجرت اتصالا مع نظيرها الليبي عبدالرحمن شلغم. وفي اليوم التالي توجه وفدٌ دبلوماسيٌ إلى طرابلس لنزع فتيل الأزمة، جابهته مظاهرة من عشرات الليبيين طالبوا السفير بالاعتذار.

السويسريون من جانبهم لم يفهموا طبيعة الرد الليبي، فالمشكلة كما يرونها قضية فردية ليس إلاّ، تتعلق باعتداء نجل الزعيم القذافي على اثنين من أفراد حاشيته (خادمة تونسية وخادم مغربي)، أثناء وجودهم على التراب السويسري الذي يتساوى الناس فيه أمام القوانين، وهو جوهر العدالة بين بني البشر. وهم لذلك يلومون ليبيا لتسييسها قضية شخصية جنائية، وعدم فصلها بين تطبيق القانون وبين علاقاتها الدولية.

السويسريون أيضا يصرون على سلامة إجراءاتهم القانونية، فالشرطة استمعت لأقوال ضحيتي سوء المعاملة، ولما طلبت حضور المتهمَين (هنبيعل وزوجته عارضة الأزياء اللبنانية ألين سكاف) إلى مركز الأمن للاستماع لأقوالهما رفضا فقامت هي باستكمال الإجراءات اللازمة في مثل هذه الحالات.

الأزمة التي يرى البعض أنها مفتعلة، ستسيء أيضا إلى صورة العرب في الغرب، وتكرّس النظرة الدونية إليهم، باعتبارهم دولا تعيش خارج العصر، ولا تعرف شيئا اسمه «ثقافة حقوق الإنسان»، وأنه آن الأوان لمعاملة الشعوب وفق معايير الكرامة الإنسانية، وأنها لم تعد قطعانا من البهائم والحيوانات، أو العبيد والإماء في أحسن الفروض، عليها أن تتلقى صفعات السادة بصمت وتسليم، وتحمد فضائل رعاتها.

السويسريون اليوم يتحدّثون بفخرٍ عن القيم التي تقدّسها قوانينهم في الغرب، والتي تتيح لأي مظلوم، مواطنا كان أو أجنبيا، أن يرفع شكوى ضد أي منتهكٍ لتلك الحقوق، حتى لو كان رئيس الاتحاد الفيدرالي السويسري. من هنا فإن هذه الأزمة جعلتهم يتحسّسون من انتهاك قوانينهم التي رعوها قرونا، على يد أجنبي من الطرف الآخر من المتوسط، يريد أن يفرض قوانينه على بلادهم، وطريقته في الحكم والإدارة والسياسة التي لا تعرف المؤسسات والدستور وحكم القانون بعد.

رسميا... حاولت الحكومة السويسرية أن توضّح بهدوء لليبيا، أنها لا دخل لها باعتقال هنيبعل، وأنها كسلطة تنفيذية لا يمكنها التدخل في عمل القضاء لأنه سلطة مستقلة.

أما الصحافة السويسرية، التي تمثل سلطة رابعة فعلا، فقد شنّت هجوما عنيفا على ليبيا، التي «ما زالت مفاهيم استقلالية العدالة وفصل السلطة وحقوق الإنسان غريبة عنها» حسب تعبيرها. ودعت بعض الصحف إلى تشكيل جبهة صلبة في وجه ما أسمته «الهجمة الليبية التي تحاول فرض عدم تطبيق القانون على الجميع». ودعت إلى «عدم الخضوع للابتزاز الرخيص من قبل النظام الليبي، الذي يقايض حرياتنا وقوانيننا وكرامتنا الوطنية بحفنةٍ من براميل النفط».

إنها أكبر من جريمة شخصية ضد خادمين، إنها صراع حضارات... حضارة أشرفت على دخول متحف التاريخ، وحضارة تعلي من قيمة المساواة أمام القانون.