بدعوة كريمة من صندوق توبلي الخيري حضرت ندوة مصغرة في مستهل هذا الشهر بعنوان «آفاق استثمارية»، دُعِيَ إليها عدد من رجال الأعمال في المنطقة. قُدمَت في الندوة بعض الأوراق المهمة من النائب جاسم حسين عن آفاق الاستثمار ومن صندوق العمل عن دعم المستثمرين ومن الرئيس التنفيذي لشركة ريف العقارية محمود الكوفي عن الإبداع في الاستثمار وورقة أخرى من أحد رواد الاستثمار عن تجربة ناجحة في الاستثمار الجماعي.
فكرة عقد الندوة كانت بحد ذاتها ناجحة فقد أكدت أولا مقدرة بعض مؤسساتنا الخيرية والأهلية على تعزيز دورها في خدمة المجتمع واهتمامها ببعض المجالات التي تبدو لأول وهلة خارجة عن نطاق عملها التقليدي المتعارف عليه لولا معرفة الكثيرين بالدور المتنامي لها في مملكة البحرين وبالذات في مجال تنمية المجتمع.
النائب جاسم حسين أكد أن الوضع الحالي مثالي جدا للاستثمار بسبب ازدياد صرف الحكومة سنويا على المشاريع الحكومية وضخ أموال كبيرة (241 مليون دينار في العام 2004 إلى 478 مليون دينار في العام 2007)، ما جعل معظم المقاولين الكبار مشغولين بهذه المشاريع ونتج عن ذلك نقص في القدرة الاستيعابية وزيادة في حجم الطلب.
كنت قد تمنيت أن يقدم النائب حسين توضيحا أكثر لفكرته حتى يتفهم الحاضرون فائدة وميزة هذا الصرف الحكومي للمستثمرين الصغار وكيفية ضمان حصولهم على جزء من هذه الكعكة الاستثمارية، إن جاز التعبير.
ورقة صندوق العمل ركزت على تنمية المشاريع في مجال التنمية البشرية وتحسين فاعلية الموارد البشرية، والأهم تنمية القوة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتيسير الحصول على التمويل وتحسين وتطويرالسوق الاستثمارية وتحسين الإنتاجية ودعم مبادرات القطاع الخاص.
وقد لفت انتباهي قدرة الكوفي على جذب الحاضرين لفكرة الإبداع في الاستثمار وخاصة من قبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكيف أننا بحاجة إلى ثقافة مؤسساتية، وكذلك التأكيد على الحاجة إلى أخذ الأمر بجدية أكبر من قبل الحكومة لدعم هذه المؤسسات. فهناك نحو 40 ألف سجل تجاري بإمكان أصحابها المشاركة بصورة أكبر في توظيف وتطوير القوى العاملة البحرينية وتقليل نسبة البطالة في المملكة.
ركز الكوفي على أهمية اختيار الفرصة الأمثل وخاصة في هذا الوقت في مجال الاستثمار العقاري، على سبيل المثال، وخلق بيئة استثمارية للإبداع. وقد كان الكوفي محقا جدا في ذلك، وخاصة أن هناك تآكلا في الطبقة الوسطى هنا في مملكة البحرين بالمقارنة مثلا بجمهورية الهند حيث إن الطبقة الوسطى هناك في نمو مطرد.
«لب» الندوة كان فكرة تجربة ناجحة لثلاثة وعشرين من رواد أحد مجالس قرى البحرين حيث التأم شملهم في مؤسسة استثمارية بدأت فكرتها في توفير احتياجات مجلسهم أو ديوانيتهم من شاي وقهوة حتى وصل الآن عدد المؤسسات التي يديرونها إلى 15 مؤسسة في مختلف المجالات. استراتيجياتهم تنوعت في التركيزعلى الحصول على دعم من شركات التمويل والاستفادة من خدمات صندوق العمل بالنسبة إلى الهيكل الإداري والنظام المحاسبي... الخ والتركيز على العمل الجماعي المشترك.
وعلى رغم أن الندوة احتوت على الكثير من الأفكار الاستثمارية بصورة عامة والتي تمت مناقشتها باهتمام بالغ، فإن ظني خاب عندما اكتشفت في نهاية الندوة أنه على رغم أنها نظمت من قبل صندوق خيري وعقدت في مقره، فإنه لم يذكر شيء في الندوة عن سبب غياب استثمارات صناديقنا الخيرية عن الساحة الاستثمارية. (سامح الله مديرها الذي أغفل بعض المداخلات من بعض الحاضرين بحجة انتهاء وقتها).
فآخر دراسة عن هذه الاستثمارات أوضحت أن 60 في المئة من الصناديق الخيرية في البحرين ليس لديها أي نوع من الاستثمارات أو حتى ما يسمى «بالفائض» من المال. أما نسبة الـ40 في المئة الأخرى من الصناديق فإن غالبية استثماراتها عبارة عن «ودائع» بسيطة وخجولة وقصيرة الأمد، ولا أدرى كيف استطاعت مجالس أمنائها تجاوز وتخطي عقبات الاستثمار الكثيرة من الناحية الشرعية والمالية والإدارية الأخرى، وإن كنت أقدر لهم ذلك كثيرا.
كان بودي أن أسمع من المنتدين عن أفكار وطرق جديدة لزيادة استثمارات الصناديق الخيرية، وأن تتطرق الندوة إلى ما كنت ولاأزال أطالب به من مساعدة هذه الصناديق حكوميا لتقف على أرجلها ولو لمرة واحدة بعد طول سنين وتحقق لها ما كان يجب أن يتحقق منذ بداية إنشائها.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 2152 - الأحد 27 يوليو 2008م الموافق 23 رجب 1429هـ