العدد 2152 - الأحد 27 يوليو 2008م الموافق 23 رجب 1429هـ

البقاء بعد زوال حقل الألغام التركي

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

اعتقلت الشرطة التركية قبل أكثر من أسبوعين مجموعة جديدة من المشتبه بارتباطهم بمجموعة أرغينيكون، التي وُصِفت بأنها عصابة تشبه المافيا من الأتراك المتطرفين في الوطنية، ويرتبط الكثير منهم بمؤسسات الدولة المختلفة. وقد سرت إشاعات مفادها أنهم يخططون لقلب الحكومة من خلال مجموعة من الأساليب، تتراوح بين نشْر الفوضى والقيام بانقلاب عسكري.

تم توجيه تهم رسمية لستة وثمانين شخصا يوم الإثنين الماضي بالانتماء إلى أرغينيكون، وقد قَبَع بعض المتهمين في الاعتقال منذ الصيف الماضي من دون توجيه تهم لهم. وتمت هذه العملية الأخيرة بشكل متوازٍ مع جلسة التحقيق مع حزب العدالة والتنمية، واتُّهِم هذا الحزب الحاكم بالسعي لإنشاء دولة إسلامية، الأمر الذي أثار ما يسميه البعض «الصراع النهائي على الحكم»، مما أثار توقعات وشكوكا بمقاطعة محتملة إذا ثبت تورط الحزب الحاكم.

على الطرف الآخر من الطيف، يلمّح معلّقون إعلاميون بأنّ مجموعة أرغينيكون ملفقة من قبل حزب العدالة والتنمية حتى يكون للحكومة الحق في اعتقال الخصوم الذين تواجه معهم المشاكل. هناك الكثير من نظريات المؤامرة في بيئة عدم الثقة التركية.

بدا المجتمع التركي لعدد من السنوات في بدايات القرن الحالي بأنه يتمتع بالإجماع حول المستقبل، وبأنه يقف وراء انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد اختفى هذا الإجماع في أوائل العام 2005 عندما استغلت أحزاب المعارضة مشاعر الوطنية المتزايدة، وأدّت المشاعر المختلطة عن العضوية المحتملة في الاتحاد الأوروبي في دوائر أوروبية محددة إلى تقليل كلّ من احتمالات الانضمام إلى الاتحاد والدفع باتجاهه.

وقد لعب حزب العدالة والتنمية، منذ فوزه في الانتخابات، دوره بشكل كافٍ لإرضاء نصف المجموعات في الدولة، إلاّ أنه ولسوء الحظ ابتعد أحيانا عن أجندة تعددية كان يمكنها أن تزيد من الإجراءات التي تضمن حرية التعبير.

وبالنسبة إلى حرية التعبير، فقد اختار الحزب الوقوف ضد الإصلاح الحقيقي لصالح المزيد من التغييرات التجميلية. فبالنسبة إلى حقوق الأقليات، بدا أنّ حزب العدالة والتنمية لا يريد معارضة أجندة من يسمون بالوطنيين، التي تشكك بالأقليات وترى أنهم أدوات في أيدي القوى الأجنبية، تهدف إلى إضعاف تركيا.

كان بإمكان الحزب أنْ يزيد من صدقيته بين النقاد الذين يعتقدون أنه يفضّل المسلمين المحافظين من السنة من خلال الاعتراض على التحفظات الوطنية عن هذه القضايا. إلا أنه من الأرجح أنّ حزب العدالة والتنمية، لدى مواجهته الحاجة للدعم من قبل القوى الوطنية في المجتمع، بالإضافة إلى الدولة والبرلمان، وجد أنه من الملائم سياسيا عدم اتخاذ موقف بشأن هذه القضايا.

ولكنهم في نهاية المطاف أساءوا تقدير فوائد العمل مع حزب العمل الوطني في البرلمان عندما صوّتوا معا لصالح الإصلاحات الدستورية التي تسمح للنساء اللواتي يلبسنَ الحجاب بدخول الجامعات، وهي سياسة ألغتها لاحقا المحكمة الدستورية.

كما أنّ العلمانيين الذين يميلون إلى اليسار والذين لا يدعمون حزب العدالة والتنمية لا تمثلهم أحزاب التيار الرئيسية الأخرى. لا يوجد حزب يدعم الإصلاحات من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باستثناء حزب العدالة والتنمية المحافِظ اجتماعيا.

لن تساعد عملية انقطاع مجرى الديمقراطية نتيجة لقضية المحكمة، والتي تهدد بحل حزب العدالة والتنمية، هؤلاء الذين يأملون بإصلاحات تؤدي إلى حريات أوسع. يتوجب على منتقدي حزب العدالة والتنمية ذوي التأثير أن يعملوا باتجاه إنشاء معارضة سياسية شرعية والمطالبة بإصلاحات تحمي نظام الرقابة والتوازن المؤسسي داخل هياكل تركيا الديمقراطية.

يُصاب سكّان اسطنبول غير السعداء برؤية المزيد من النساء المحجبات، أو المطاعم التي لا تقدم المشروبات الكحولية، بالعمى تجاه التغيير الاجتماعي الاقتصادي الذي تتسبب بعملية التحضر السريع التي حدثت في العقود الأخيرة، وجاء نتيجة لها. لم يقم حزب العدالة والتنمية بإجراء هذا التغيير، ولن يؤدّي منع حزب العدالة والتنمية إلى إصلاح الصدامات الثقافية بين الذين استوطنوا المدن الكبيرة مؤخرا من شبه جزيرة الأناضول والنخب في المدن.

واقع الأمر أنه إذا جرى توجيه الاتهام إلى الحزب، يمكن لذلك أن يقوّي بشكل إضافي منظور دولة مسيطرة وأن يغذي المشاعر القائمة بعدم الأمن والاستياء والتحديات الاقتصادية. ويخاف البعض من أنْ يؤدي سيناريو كهذا إلى المزيد من عدم الاستقرار.

من أجل ضمان أن تكون هذه الحقبة أكثر من مجرد جولة أخرى في أسلوب تركيا الغريب في إدخال الديمقراطية، هناك حاجة لخطوات محددة. يجب دعم عملية الإطباق على العلاقات التي تحمل طابع المافيا مع قواعد القوة غير الشرعية. هناك حاجة لإنشاء مؤسسات محصنة ضد الضغوطات السياسية وضغوطات الدولة بهدف الحماية ضد الفساد والتفرقة وغيرها من أشكال الظلم. يجب تطوير آلية كفؤة للرقابة على الدولة حسب اقتراح أوللي رين، مندوب الاتحاد الأوروبي للتوسع، بهدف «حماية الحقوق المدنية الإنسانية». يجب تخليص القوانين من الصياغة غير الواضحة والبنود المتناقضة التي تسمح بالإساءة من قبل السلطات.

كما أن هناك حاجة للبحث عن معادلات للإتيان بالمساءلة والشفافية إلى الطوائف الدينية (وهي غير قانونية رسميا وسرّية لهذا السبب). لدى بعض هؤلاء الطوائف قادة يعظون بكيفية ممارسة الإسلام، وهم مؤثرون في المجتمع والسياسة. وفي الشرق، حيث تسود الهياكل الاجتماعية القبلية، الأمر الذي يضر بحكم القانون، هناك ضرورة لاستثمارات أقوى في مجال الخدمات الاجتماعية للدولة التي تعمل على تمكين الأفراد.

يجب أن تخدم المسودة الدستورية الليبرالية، كما وُضعت السنة الماضية، كمرساة محلية للديمقراطية. وإذا اختار حزب العدالة والتنمية، بدلا من استخدام رأس ماله السياسي لتصدير القيادة في هذا الاتجاه، طريقا ضد تجديد الدستور لحماية نفسه من ردة فعل الحُماة المتجندين في الوضع الراهن، فإنه سوف يستمر في فقدان المصداقية بين هؤلاء الذين اعتقدوا أنه يمكن للحزب أنْ يكون منهجيا في تغيير النماذج في تركيا. في حالة كهذه، قد يمكن تحقيق نبوءة ذاتية التحقيق.

* محللة رئيسية في مبادرة الاستقرار الأوروبية في تركيا ورئيسة تحرير مجلة «السياسة التركية»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2152 - الأحد 27 يوليو 2008م الموافق 23 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً