الدعوة الملكية الأخيرة إلى علماء البحرين لـ «الحوار فيما بينهم والمصارحة والمكاشفة بما يخدم الوحدة الوطنية وسلامة المواطنين والوطن» تأتي بعد ثماني سنوات من سيطرة القوى الإسلامية على المشهد السياسي في البحرين. الذي كان متوقعا بعد العام 2001 هو أن الانفتاح السياسي سيعيد التيارات الوطنية في البحرين لأن تكون المحرك الرئيس للمشهد السياسي البحريني، ولكن الذي حدث هو أن التيارات الدينية في المعارضة والحكومة استطاعت أن تأكل كعكة الديمقراطية كاملة، وهو ما انتهى بما هو الوضع عليه اليوم من تناحر طائفي لا أفق له ولا فكاك منه على ما يبدو.
أجهزة الدولة التي ركبتها التيارات الإسلامية قامت باستبعاد أو تهميش جميع القوى الوطنية في الدولة، وكذلك فعلت القوى الإسلامية في المعارضة. وتحول المشهد السياسي يوما بعد يوم إلى صراع ديني بين تيارات إسلامية شمولية ليس للمواطن البحريني في أجنداتها أي دور أو موقع.
من هنا، يجب ألا نفهم هذا الحوار السني - الشيعي المتوقع باعتباره حوارا توافقيا باعتبار أن هذه التيارات ستكون القادرة على حلحلة الأزمة السياسية في البحرين على تشعباتها وتفرعاتها المعقدة، فهذه القوى مهما أبدت قابليتها للتصالح فيما بينها على خلفية الدعوة الملكية لهذا الحوار فإنها ستبقى على الدوام أفكارا شمولية إقصائية لا تقبل بالآخر ولا تريد له الوجود والفاعلية.
الذي تحتاجه البحرين اليوم هو أن تعود هذه المرجعيات الدينية السنية والشيعية لمواقعها في الخلف، وإذا كنا لن نستطيع إبعاد هذه المرجعيات الدينية فإننا لابد أن نعمل على تعزيز تلك المواقع للتيارات الوطنية التي تم القضاء عليها وإزالتها من الخريطة السياسية ككل. على هذه المرجعيات الدينية أن تكتفي بوجود الجمعيات السياسية التي هي أجنحتها في النظام دون أن تفرض على الناس السياسة بوصفها حلالا وحراما أو جنة ونارا، وهو تحديدا ما قد يجعل الوصول لحل سياسي أمرا ممكنا نستطيع إنجازه بأقل الخسارات.
لقد أثر نهوض المرجعيات الدينية وسيطرتها على المشهد السياسي في البحرين منذ العام 2001 بالسلب على المشروع الإصلاحي، فأصبح الشيعة والسنة على السواء أمام مهمات إقصاء شمولية لا تعترف بأحقية الآخر في مشاركة التراب والدولة، وهو ما يحتاج إلى حوار ينتهي بعودة هذه المرجعيات لمواقعها الدينية والابتعاد عن «السياسي» الذي أصبح على وشك أن يتحول لمهمات رسولية لا يمكن أن تحتمل في داخلها أي حوار أو محاصصة سياسية، وهو في المحصلة الخطأ الذي نحن مطوقون به في الحكومة والمعارضة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2151 - السبت 26 يوليو 2008م الموافق 22 رجب 1429هـ