العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ

«الطائفية» من حيث القانون

فجأة صدرت قرارات لمكافحة «الطائفية» والحد من النشاط الطائفي، فكان أن نقل خطيب مثير للفتن إلى مسجد آخر وكان أن أغلقت ثلاثة مواقع الكترونية وصفت بأنها «تثير الفتن الطائفية» وتم استدعاء من يشتبه في أنهم القائمون عليها من قبل جهاز الأمن الوطني للتحقيق معهم أو لتحذيرهم (لأن هذا هو معنى أن الاستدعاء كان وقائيا)...

ولنا كامل الحق في التساؤل المشروع عن سبب تأخر اتخاذ تلك الإجراءات لعدة سنوات... فمن المعلوم أن النشاط الطائفي (بمعناه المستقبح) هو مثل كرة الثلج التي تزداد كتلتها بازدياد انحدارها، كما أن قرار الإغلاق قد صدر إداريا وليس قضائيا وهو(إجراء منتقد) لأن الحد من حرية التعبير (وهو تصرف استثنائي يرد على حق دستوري يجب أن يتم بمقتضى حكم قضائي) لتكون هناك ضمانة لكل طرف ذي علاقة بأن لا يتم التعسف ضده، كما أننا لا نرغب في تكريس ممارسات خاطئة، فمخالفة القانون يجب أن تعالج قانونيا وليس (لا قانونيا)، وقد تكون هناك حقوق لصيقة بطائفة ما.... بما أنها طائفة كذا، فممارستها لتلك الحقوق لا يوصمها بالطائفية، طالما لم تتعد على حقوق الآخرين، فهناك حقوق تثبت للفرد لكونه إنسانا وهناك حقوق تثبت له لكونه منتميا لطائفة معينة، وهناك حقوق تثبت له لكونه منتسبا لوطن معين، وعليه يجب أن نتحقق من أي سلوك - قد يقال - أو يوصف بأنه سلوك طائفي، ما إذا كان ممارسة لحق أو اعتداء على مجتمع وإثارة الفتنة فيه.

ومن ناحية أخرى فإن مصطلح «الطائفية» بمعناه المريض غير منضبط، فهو فضفاض يمكن أن ندخل فيه كل ما لا يعجبنا من أفعال الآخرين... لذلك وجب أن يُحدد المصطلح وأنماط السلوك المنضوية تحته تحديدا جامعا مانعا، وإلا أصبحنا - في مجال اعتباره جريمة - نتعامل بما يطلق عليه رجال القانون «جرائم القالب الحر» أي نفترض قالبا أو ثوبا كل من ألبسناه أو قولبناه به فهو مجرم، ومثال ذلك التعبير «بكل ما من شأنه أن يثير فتنة» أو «أي شيء يثير فتنة» أو «كلما كانت نتيجة ذلك إثارة فتنة»... وهناك اتجاه عالمي نحو رفض التجريم بهذه الطريقة لأنها تتنافى مع «مبدأ شرعية الجرائم» الذي معناه أن «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني تشريعي».

ومن ناحية أخرى أيضا: الاتجاه الفقهي القانوني الذي كاد أن يكون مطبقا هو أنه يُعترف بالمحررات المكتوبة الكترونيا بالحجية في الإثبات في المواد المدنية والتجارية، ولكن هل الحال كذلك في مجال قانون العقوبات؟... الحق انه لا يكون كذلك إلا بصدور تشريع صريح... ولست متأكدا من صدور هكذا تشريع في مملكة البحرين، وعلينا الاعتراف بأن في البحرين طائفتين كريمتين كبيرتين وليس طوائف كما يقول تلفزيون البحرين في إعلامه في المناسبات «شعب البحرين بكافة طوائفه وفئاته» وليست لدينا فئات، إذ لا يوجد نظام الإقطاع ولا نظام فئة النبلاء والسوقة والعبيد وغيرها من التقسيمات، كما يجب الاعتراف بأن «الطائفية» في البحرين تمارس سياسيا وليس دينيا، إذ إن «الطائفية الدينية» لا غنيمة من ورائها، بينما «الطائفية السياسية» يرتجى الكثير من الغنائم من ورائها مثل (أصوات انتخابية، وظائف كبرى ومتوسطة، بعثات دراسة، مخصصات مالية، تعجيل خدمات من الدولة كالإسكان،الحصول على مساعدات أو إعفاءات).

سمعت من بعض الخبراء في مجال مكافحة الأمراض أو الإدمان، أن المعالجة تتوقف بالدرجة الأولى على الاعتراف بالمشكلة، وبرأيي أن ما ينطبق على الأمراض الجسدية ينطبق أيضا على الأمراض الاجتماعية، فربما يستفيد البعض من «الطائفية» فيبني له تجارة أو يكتسب منصبا أو يحصل على امتياز لكنه لا يبني وطنا... وهذا الموضوع طويل ومعقد وخطير ولا استطيع الكتابة فيه بإسهاب كي لا يمل من قراءته، لذلك أوجر النقاط السابقة فقط في التوصيات الآتية:

- تحديد معني «الطائفية» المستقبحة قانونا.

- تحديد أنماط السلوك الإجرامي المتعلق بـ «الطائفية».

- إصدار نص تشريعي جامع مانع يجرم جميع العناوين المسببة للمشكلات مثل «التمييز بالطائفة، التمييز بالجنس، التمييز بالعرق» وسن تشريعات رادعة وفاعلة.

- اعتماد مبدأ الكفاءات وليس الولاءات ولا الانتماءات للحصول على الوظائف والمناصب.

- اعتماد مبدأ الشفافية في جميع التعاملات.

- الحد من السلطات التقديرية وتكريس مبدأ السلطات غير التقديرية (بمعنى كل من انطبقت عليه الشروط فهو يستحق كذا وليس للإدارة اختيار من تراه مناسبا) لأنه باب تنفذ منه الممارسات «الطائفية» المستقبحة.

- أية عقوبة يجب أن تتم بحكم قضائي ضمانا لعدم التعسف.

- أن نتحلى بروح التسامح من جهة، وبروح المبادرة من جهة أخرى، فلا ننتظر حتى تصطك الأسنة وتتضخم المشكلات ثم - وباستعجال وارتجال – نقوم بمحاول حلها.

- أي إجراء في هذا الصدد يجب يكون نابعا عن دراسة علمية وواقعية وعميقة، وقبل تنفيذ ذلك الإجراء يجب أن نكون قد اتخذنا الاحتياطات لأية نكسة أو حال غير متوقعة.

نسأل الله جل اسمه أن يكفينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل البحرين بلدا آمنا مطمئنا، إنه سميع مجيب.

الشيخ عبدالهادي خمدن

العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً