لم يكن من المتوقع أبدا أنْ تكون علاوة الغلاء، التي قدرّت في هذا العام بخمسين دينارا، وخصص لها مبلغ 40 مليون دينار، أنْ تكون العلاوة المذلة للفقراء المستحقين لها. فالعلاوة في الأصل جاءت لجبر دخل الفقراء من المتقاعدين، ومتلقي الضمان الاجتماعي، ومحدودي الدخل ممن تقل رواتبهم عن 1500 دينار، وكانت إحدى مبادرات القيادة السياسية التي أعلنها سمو رئيس مجلس الوزراء للحد من ظاهرة الغلاء المستشري، بعد مطالبات متعددة من مجلس النوّاب، ومجموعة من المقترحات التي تقدّمت بها الكتل النيابية.
وفور إعلان تخصيص مبلغ الأربعين مليون دينار لهذه العلاوة بادرت اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النوّاب بتدارس عملية إيصال هذه العلاوة إلى مستحقيها، وعقدت لهذا الغرض عدّة اجتماعات حضرتها الحكومة ممثلة في وزارة المالية، وتوصلت إلى الآلية التي أعلنتها وزيرة التنمية الاجتماعية في إحدى جلسات مجلس النواب وملخصها استحقاق كلّ عائل أسرة لا يتجاوز دخله الشهري 1500 دينار لهذه العلاوة، وأنْ تصرف لمدة اثني عشر شهرا ابتداء من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.
ترقب الفقراء هذه العلاوة، وأعني بالفقراء، مَنْ لا يزيد دخلهم الشهري عن مئتي دينار من المتقاعدين، والذين يعتمدون على الضمان الاجتماعي، والعاملين في القطاع الخاص والعام من ذوي الدخول المتدنية، وأمثالهم، آملينَ أنْ تسهم في كشف بعض الضرر الذي لحق بهم جراء الارتفاع الجنوني للأسعار. وترقبوا، وانتظروا، وراجعوا، ثم انتظروا، وبثوا شكاواهم، ثم رفعوا أصواتهم معلنينَ سخطهم، وصبّوا جام غضبهم على النوّاب الذين لم يقوموا بالضغط على الحكومة لصرف هذه العلاوة، وأحسوا بالذل الشديد وهم يُراجعون مكاتب الوزارة أو مكاتب النوّاب، ثم أصيبوا بالإحباط وتيقنوا أنّ المسألة لا تزيد عن كلام في كلام، فمَنْ للفقراء سوى ربهم.
وأنا أكتب هذه المقالة في منتصف الشهر السابع من السنة، وأعلم أنّ هذه العلاوة لم تصرف في نهاية الشهر السادس لكثير من المستحقين، وآمل أنْ تكون قد صرفت لهم، وانتهت المشكلة.
لكن المثير في الموضوع ما قرأناه في الجرائد اليومية أنّ الحكومة قد وافقت على زيادة علاوة الغلاء 32 مليون دينارا لتصبح 72 مليونا بدلا من الأربعين مليونا، وهذا كرم واسع من الحكومة، ولن أدخل هنا في آلية صرف مثل هذا المبلغ دون موافقة من مجلس النوّاب، ولكن مجموعة من الأسئلة تستحق الإثارة هنا، وتحتاج إلى إجابة واضحة، فلماذا قصرت الأربعون مليونا عن الوفاء بهذه العلاوة، والكل يعلم أنّها قد فصلت تفصيلا على عدد الأسر المستحقة لها من قبل اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النوّاب بالتوافق مع الحكومة؟ هل زاد عدد الأسر المستحقة التي لم تحتسبها تلك اللجنة؟ وبمعنى آخر، هل جاء حساب اللجنة غير مطابق للواقع؟ وأتذكر أنّ الحديث بين أعضاء مجلس النوّاب، كان يدور حول وجود حوالي 90 ألف أسرة بحرينية مستحقة، بكلفة سنوية تقارب 50 مليون دينار حين تمنح كلّ أسرة خمسين دينارا شهريا. والحديث عن مبلغ 72 مليون دينار يعني وجود 120 ألف أسرة مستحقة، فهل أخطأت حسابات اللجنة المالية والاقتصادية بالمجلس إلى هذا الحد؟ وإذا تصوّرنا وجود 120 ألف أسرة مستحقة لعلاوة الغلاء (تقل دخولها عن 1500 دينار شهريا)، واعتبرنا متوسط عدد أفراد الأسرة أربعة أفراد فإنّ عدد أفراد هذه الأسر يكون 480 ألف نسمة وهو عدد يُقارب عدد البحرينيين بحسب المعلومات المتوافرة في السجل السكّاني، فهل نستطيع القول إنّ جميع الأسر البحرينية مستحقة لعلاوة الغلاء، وأنّ جميع البحرينيين هم من الفئات الفقيرة؟
ونريد أنْ نعرف بدقة، مَنْ هي الجهة المعطلة لصرف هذه العلاوة؟ هل هي وزارة التنمية الاجتماعية التي أعتقد أنها تبذل جهودا مضنية في سبيل النجاح في المهمّة التي أنيطت بها؟ أو أنّها وزارة المالية التي اكتشفت أنّ الأربعين مليونا لم تعد كافية بعد أن كانت مشاركا رئيسيا في اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النوّاب؟ أو أنّها الأسر البحرينية التي سال لعابها على علاوة مقدارها خمسون دينارا شهريا فسارعت لتسجيل اسمها لاستحقاق تلك العلاوة، وهي غير مستحقة لها؟
وأقول، ألا يعد القصور، أو التقصير، أو الخطأ، في عملية صرف علاوة الغلاء، واحتسابها بدقة موضوعا مثيرا يستحق التحقيق من كلّ من مجلس النوّاب ومجلس الشورى باعتبارهما الممثلين لهذا الشعب؟ هل ينبغي أنْ يُتركَ أمرٌ كهذا، يمرّ وكأنه عادي، من دون مراقبة ومحاسبة؟ فهل يتحرّك نواب هذا الشعب وممثلوه للتحقيق في هذا الموضوع؟!
إقرأ أيضا لـ " عبدعلي محمد حسن"العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ