«الست كوم» أو «كوميديا الموقف» هو نوع جديد من المسلسلات تشبه في كتابتها الكتابات المسرحية، إذ تعتمد على ديكور ثابت ومحدود يتم تصويره بأكثر من كاميرا. وقد كان مسلسل «الأصدقاء» الأميركي الذي تمت إذاعته منذ 4 أعوام، البداية الحقيقية التي لفتت أنظارنا إلى هذه النوعية من المسلسلات، وكانت سببا في تحمس الكثيرين من المنتجين والنجوم لخوض هذه التجربة مصريا وعربيا.
ومن أهم هذه المسلسلات «يوميات ونيس» و «تامر وشوقية» و «دراما وغريغ» و «راجل وست ستات» و «أحمد اتجوز منى»، وما يميز هذه النوعيات من المسلسلات الخفيفة الظل هو صوت الضحك الذي تسمعه يأتي من جمهور حقيقي يشاهد الحلقات أثناء تصويرها، وهو ما يجبر المخرج على الالتزام بأقل عدد من القطاعات، وتأتي النكات المضحكة من الحوار وقد تأتي من الممثل إذا ما كان الجمهور قد اعتاد لزماته.
الشخصيات في «الست كوم» ثابتة حتى نهاية المسلسل، ونادرا ما يتم استبدال أحد الممثلين، لدرجة أنه عندما توفي الممثل جون ريتر بعد 13 حلقة من مسلسل «8 قواعد بسيطة»، فإنه توفي في المسلسل أيضا، لأنه من الأسهل تحويل مسار المسلسل بدلا من استبدال الممثل، فاللعبة الأساسية هنا تعتمد على العشرة، الجمهور يظل يتابع الشخصيات والديكورات لسنوات طويلة لدرجة أنها تصبح واقعية.
التفت المصريون إلى متعة «الست كوم» متأخرين، وكان اللبنانيون لهم السبق في ذلك، وبينما نجح الأميركيون في إنتاج الكوميديا عابرة الثقافات، فإنك نادرا ما تتورط في الضحك على مسلسل لبناني، بسبب كون النماذج محلية أكثر من اللازم، أو منقولة بفجاجة من مسلسل أميركي. وبعد «الأصدقاء» ظهر الجيل الثاني من «الست كوم» مثل «اسمي إيرل»، معتمدا على كسر الطابع المسرحي، والموضة التي تقودها الآن مسلسلات «زوجات يائسات» و «تسريح غراي» مشتقة من «الست كوم»، لكنها استقلت عنها نهائيا. وفي مصر بدأ أول «ست كوم» بمسلسل «شباب ع الهواء»، الذي لعب بطولته أحمد الفيشاوي ضمن مجموعة من الممثلين، وكانت الجماعية والواقعية هي أول التحديات التي يواجهها كاتب «الست كوم»، وهي أشياء غير موجودة في المسلسلات التقليدية الموجودة أيامها.
فكل شيء يأتي منقولا من الغرب، وتظهر صعوبات تطويعه عند استخدامه بشكل كثيف، لذلك تراجع «شباب ع الهوا» في موسمه الثاني بسبب عنصر آخر غير محسوب، وهو اعتماد المسلسلات الأميركية على الإحباط الجنسي الذي يضمن الضحك في مجتمع يتبنى الحرية الجنسية. في مسلسل «ساينفيلد» يدخل جيري مع صديقته إيلين في علاقة تعتمد فقط على الجنس، مع اتفاقهما على عدم نموها إلى علاقة حب، وتخرج الكوميديا من محاولة الاثنين تعريف الفرق بين الحب والجنس.
حكاية درامية
تعلم كتّاب «الست كوم» المصريون الاعتماد على حكاية درامية تجمع الشخصيات بدلا من ترك العلاقات تتداعى لتصل إلى مكتب الجنس المغلق، لكن شركات الإنتاج كانت في انتظار نجاح طرف آخر في تدشين «ست كوم» واحد ناجح العام 2004 شهد نشاطا واضحا في الكتابة.
وقام المؤلف عمرو سمير عاطف بتكوين ورشة لكتابة مسلسل «العيادة»، لكن شركة الإنتاج لم تتحمل فترة الكتابة المرهقة والمملة، لكن الورشة نفسها كانت مفيدة في تجميع عدد محترم من الكتّاب في مسلسل آخر لم يشهد النور، «بابا جه» الذي يبدأ بقدوم الشاب أحمد الفيشاوي من الماضي البعيد لرعاية ابنه حسن حسني، وبعد تصوير الحلقة التجريبية ظهرت الكارثة، فالمخرج لا يعرف أبسط مفردات «الست كوم»، والممثلون لا يعرفون متى يلتفتون إلى الكاميرا ومتى يصمتون، وحسن حسني كان الوحيد المضحك.
احتاج الكتّاب إلى تجريب أشكال شبيهة بـ «الست كوم». «يوميات ونيس» مثلا نجح لأنه يعتمد على خلفية مسرحية صارمة لبطله محمد صبحي، لكنه لم يكن مضحكا كفاية، أما «راديو ستار» فيدور حول الحوادث اليومية في قناة تلفزيونية، ومقهى لحلقة بلقاء تلفزيوني مع أحد النجوم بشكل يمزج بين «الست كوم» والبرامج الحوارية، تم عرض المسلسل وفشل لدرجة أنه لا أحد يتذكره الآن، الدرس الذي يتذكره صناعه من هذا المسلسل أنه إذا كنت تريد صنع «ست كوم»، فعليك بصناعته «كاست كوم».
تعلم الكتّاب أسرع من المخرجين، ولذلك ظهر بسهولة مسلسل «تامر وشوقية» من ورشة عاطف الذي أصبح الوكيل الرسمي لكتابة «الست كوم» في مصر، وهو مأخوذ عن مشكلة الزواج العابر للطبقات في مسلسل «دراما وغريغ»، وقام بإنتاجه شريف عرفة الذي نقل فكرة الورشة إلى مجال الإخراج، ونجح المسلسل مما أتاح الفرصة لإنتاج موسم ثان وتعبئة سريعة لمسلسل «راجل و6 ستات» وأخرج «أحمد اتجوز منى» الشبيه بـ «الست كوم»، فهو عبارة عن استكشافات كوميدية قصيرة لزوجين.
على رغم المجهود الاحترافي في المسلسلات الأخيرة، فإن نجاحها لم يصعد فوق المتوسط، بسبب ارتجال الممثلين، وأول انطباع يأتي لك عند مشاهدة «راجل و6 ستات» هو أن الديكور فخم جدا على أسرة تعاني من مشكلات مادية هل أوقف هذا اندفاع العربة؟ الحقيقة أننا بدأنا في التصوير أيضا، الفضائيات تبحث عن لاعبين جدد في الكتابة والإنتاج، لدرجة أن عدد الحلقات المطلوب إنهاء كتابتها أثناء الصيف المقبل ربما يتعدى 400 حلقة مخطط لعرضها في رمضان.
العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ