أُطلِقَت النار على سائق أفغاني وثلاث عاملات إغاثة يعملون مع لجنة الإغاثة الدولية في مقاطعة لوغار في أفغانستان الشهر الماضي فقتلوا على الفور. تقوم لجنة الإغاثة الدولية بتقديم المعونة للشعب الأفغاني منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد أعلن ناطق باسم «طالبان» مسئولية الحركة عن العملية قائلا: «نحن لا نقدّر مشروعات الإغاثة التي يقومون بها، ولا نعتقد أنهم يعملون من أجل تقدِّم بلدنا».
وتقوم «طالبان» الباكستانية عبر الحدود بمضايقة عمال الإغاثة والمنظمات غير الحكومية بشكل روتيني ونَفيهم. خلال الشهور القليلة الأخيرة قامت «طالبان» كذلك بتفجير مئات المدارس والفنادق والجسور وأماكن بيع أشرطة الفيديو في مواقع مختلفة من شمال غرب الباكستان. وحسب التقارير الإعلامية تم حرق أكثر من 61 مدرسة للبنات في وادي سوات وحده.
هل يشكل عمال الإغاثة والطلاب والنساء أهداف «طالبان» الجديدة فيما يسمى بـ «الحرب على الإرهاب»؟ ماذا لدى النظرية الإسلامية والممارسة لتقوله عن أعمال كهذه؟ ومن هو الموكَّل بنشر الفتاوى بشأن هذا الموضوع؟ هل هم العلماء ذوي الثقافة التقليدية أم المتمردين؟
بالنسبة لأخلاقيات الحرب في الأيام الأولى للإسلام، هناك العديد من الأحاديث الشريفة التي تحرّم قتل النساء والأطفال، كما ورد بشكل واضح عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (حديث بخاري 4: 258). أما أبو بكر، أول الخلفاء الراشدين وأحد صحابة الرسول (ص) فقد لخّص رسالة الرسول الكريم عندما قال لقادة جيوش الإسلام «لا تقتلوا امرأة أو طفلا أو شيخا. ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تهدموا بيتا أو تقتلوا شاة أو جملا إلا لتناول الطعام. ولا تقطعوا نخلة ولا تجبنوا».
هناك إجماع دولي تقريبا بين المسلمين بأن قتل المدنيين غير مقبول حتى في وسط النزاع. إلا أنه يظهر أن «طالبان» و»القاعدة» يعيدون تعريف هذا المفهوم ليناسب طموحاتهم.
أعلن أيمن الظواهري، الشخص الثاني في تنظيم القاعدة أن أعمالا كهذه، بما فيها التفجيرات الانتحارية، مبررة في أوقات الحرب. إلا أن نشر رأيٍ ديني قانوني في الإسلام، وهو ما يعرف بالفتوى، هو من حق علماء الدين المدربين والمتمرسين في التقاليد الإسلامية الشرعية، وليس من حق المتشددين المدربين بشكل غير رسمي الذين يقتلون باسم الإسلام.
وقد تعرضت الادعاءات القائلة بأن قتل الأبرياء وحرق المدارس وإيذاء عمال الإغاثة ومقاومة المشروعات التنموية هي أعمال يمكن تبريرها في الإسلام، لانتقادات قاسية من قبل علماء الإسلام التقليديين، الأمر الذي كلفهم حياتهم في حالات عديدة. انتقد مولانا حسن جان، وهو عالِم إسلامي يتمتع باحترام واسع في باكستان، وإمام مسجد درويش المركزي في مدينة بيشاور في شمال غرب باكستان، انتقد هذه الأعمال في خطب الجمعة، قائلا إن أخذ القانون بأيدينا يشكّل تعديا سافرا على التعاليم الإسلامية. بعد ذلك بفترة وجيزة بدأ الإمام يتسلّم تهديدات بالقتل، وقد أطلقت عليه النار بعد ذلك وقتل على أيدي متشددي «الطالبان» في سبتمبر/ أيلول 2007.
لم يكن مولانا حسن جان وحيدا في نشر إدانة كهذه، فقد قامت مراكز الفقه الإسلامي التي تملك الحق في نشر الفتاوى الإسلامية الشرعية في كراتشي ولاهور وملتان وغوجرانوالا وبيشاور بالإعلان أن الهجمات التي تستهدف المدنيين الأبرياء هي غريبة عن الإسلام. حتى مولانا صوفي محمد، الزعيم المتشدد لحركة تطبيق الشريعة الإسلامية الذي اعتقل بتهم تحفيز الشباب في المنطقة القبلية للذهاب إلى الحرب، أعلن أن التفجيرات الانتحارية وأعمال القتل الجماعي هي غير إسلامية.
لم تنجح «الطالبان» و»القاعدة» حتى الآن في الحصول على الدعم من غالبية علماء الإسلام التقليديين والفقهاء الذين يعتبرون أساليبهم المتطرفة ابتعادا عن الإسلام الحقيقي ونتيجة لسوء تفسير النصوص الدينية.
بذلك يملك علماء المسلمين والفقهاء القدرة المضاعفة لعكس التوجه المتنامي نحو مهاجمة عمال الإغاثة والمنظمات التنموية. ولديهم قدرات كامنة لم تستخدم إلى حد بعيد في مجال حل النزاع ومنع حدوثه. واقع الأمر أن هذه القدرة الكامنة تم إدراكها مع بدء العديد من الجامعات في الدول الإسلامية مجالات دراسية جديدة تبحث في صنع السلام وحل النزاع في الإسلام. وفي باكستان بالتحديد بدأت جامعة كراتشي وكلية الدفاع الوطني في إسلام آباد بتقديم مساقات في السلام ودراسات النزاع.
بالمثل، هناك العديد من العلماء المسلمين عبر العالم يشاركون بنشاط كمعلمين وباحثين وناشطين، يؤكدون ويشرحون توجه الإسلام السلمي نحو المدنيين. يستطيع هؤلاء العلماء، بل ويتوجب عليهم أن يرفعوا أصواتهم ليؤكدوا على موقف الإسلام المنادي بالتطور، وإضعاف قدرات المتشددين العنفية في استخدام الإسلام لتبرير أعمالهم وجعل الإسلام جزءا من الحل.
* كاتب عمود في صحيفة «المشرق» والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2209 - الإثنين 22 سبتمبر 2008م الموافق 21 رمضان 1429هـ