لم يكن أحد يتوقع أن يتفجر الصراع فجأة بين السنة والشيعة، بمثل هذه الحدة والضراوة والشراسة. ويبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، فحينما صادق مؤتمر القمة الإسلامية في دورته العاشرة، التي عقدت في ماليزيا العام 2003 على «إستراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية» التي أعدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) بالتعاون مع صفوة من العلماء والفقهاء والمفكرين والدارسين المتخصصين الذين يمثلون المذاهب الإسلامية كافة، لم يكن أحد يتوقع أن تطرأ ظروف جديدة تعود بالعالم الإسلامي إلى عصور مضت، يوم أن كان النزاع بين السنة والشيعة يتخذ أشكالا مرعبة، وخصوصا في القرن السادس عشر الميلادي، حين نشبت الحرب بين الدولتين العثمانية السنية والصفوية الشيعية، أو في القرنين السادس والسابع الهجريين، حينما كان السنة والشيعة يتقاتلون في بغداد وفي غيرها من المدن العراقية.
تلك كانت مقدمة بحث قيِّم ومهم للغاية، وقدمته شخصية مهمة ولها مكانتها في العالم العربي والإسلامي وهو المدير العام لمنظمة «ايسيسكو» والأمين العام لاتحاد جامعات العالم الإسلامي عبدالعزيز التويجري، وهو في الوقت ذاته يشير إلى الوثيقة التي صدرت عن المنظمة، التي استغرقت سنوات تخللتها دورتان لندوة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
الأمر المؤسف، أن كل توجه للتصدي للطائفية البغيضة في الأمة يكون مصيرها الفشل؟
وددت لو أن التويجري، وهو الذي يعرف أكثر من غيره (أن وراء الأكمة ما وراءها)، واصل مسعاه لكشف ما وراء تلك الأكمة باعتبارها مسئولية، وباعتبار أن الأمة الإسلامية كلها في خطر بسبب محركات الفتن الطائفية التي تحركها وتغذيها في بعض مراحلها دول وجماعات، مع الاعتبار للجهد الذي تبذله المنظمة لرسم الأهداف على المديين القريب والبعيد، ورصد عوامل الوحدة بين كل مذاهب الأمة، وتحديد البؤر الخلافية التي فرقت ولاتزال تفرق صفوف الأمة، وخططت للانتقال بالخلاف بشأن هذه القضايا من إطار (الكفر والإيمان) إلى إطار (الخطأ والصواب)، وتنقية تراث المذاهب الكلامية الإسلامية، وكل مصادر التراث للفرق الإسلامية المختلفة من أحكام وتهم «التكفير» و «التفسيق».
الغريب في الأمر، أن هناك أطرافا أقوى وأكثر تأثيرا من التويجري وأمثاله من المفكرين الذين ينظرون لصالح الأمة، لتصبح كفة أهل الشر من يعيشون في عمق المجتمع الإسلامي لتدميره، أكثر قدرة على الهدم، وربما هم - أي أهل الشر - يتبوءون في المجتمع أعلى مراتب الإيمان والصلاح والتقوى.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ