يهود إيران يتمايزون عن يهود العالم. قبل الثورة الإسلامية وبعدها كان لهم تاريخهم الخاص، فهم قبلها لم يكونوا يُذكرون إلاّ بتاريخهم الممتد إلى الإمبراطور كوروش الإخميني قبل 2500 عام، وبعد الثورة بقوا كذلك.
عديد منهم قاتل مع الجيش الإيراني في حربه مع العراق (1980 - 1988). وبعضهم اكتفى بأن يبقى «مواطنا» إيرانيا عاديا على رغم العروض التي قُدّمت لهم للهجرة إلى الكيان الصهيوني (10 آلاف دولار لكل شخص) في حين آثرت قلّة منهم الهجرة عبر النمسا واسطنبول وصولا لأرض الميعاد إلى غير رجعة.
الغريب في الأمر أن السواد الأعظم من يهود إيران ممن قرّر الهجرة لم يرتحل إلى الكيان الصهيوني؛ بل إن الخيار الأول بالنسبة لهم بقيت واشنطن وبعض الولايات الحمراء ثم لندن وباريس وتورينتو كخيارات لاحقة. وربما يكون ذلك رغبة منهم في إبقاء خط رجعة، حين يُقرّرون العودة إلى إيران.
الكيان الصهيوني يُبدي اهتماما غير تقليدي بيهود الشرق الأوسط وخصوصا اليهود الموجودين في إيران باعتبارهم الكتلة البشرية الثانية من حيث العدد في المنطقة. النائب اليهودي في البرلمان الإيراني موريس معتمد كليمي يُصرّ على فشل تلك المحاولات على رغم المبالغ المالية الضخمة التي تمّ إغراؤهم بها، لأن يهود إيران متمسكون «بهويتهم الوطنية» بحسب قوله.
وفي التدوين الأخير لإحدى مشكلات الصهيونية المُصدّرة من داخل تل أبيب هي أن كثيرا من يهود إيران استلموا رسائل عبر البريد الإلكتروني تُذكي ماضي النفي البابلي (597 ق. م.) وتُشجّعهم على الهجرة من أرض «عبدة النار» إلى أرض الأجداد في فلسطين، فلم تستجب لذلك سوى بعض العائلات.
ضمن الذاكرة اليهودية المتوارثة تشيع بين محطاتها الكثير من الرؤى الجريئة والمتمردة على حواضر التسييس الذي أعقب مؤتمر بال بسويسرا في العام 1897م. بعضهم ينزع عن اليهودية ما لصق بها «ظلما» بسبب نزق الصهيونية الطارئة التي استعدت الأديان الإبراهيمية الموحدة فوقع الشقاق الكبير.
وبعد عملية «بساط الريح» التي عرّب لها ديفيد بن غوريون والتي قضت بضرورة ترحيل يهود اليمن إلى الكيان الصهيوني وامتدت ما بين العامي 1949 و1951 تبيّن أن من عارض الرحيل هم المؤمنون بحرمة قيام دولة يهودية؛ لأن ذلك مخالف للتوراة. وهو خيط بدا أن كثيرا من يهود الشرق الأوسط يتفقون على مبانيه بدءا من اليمن وانتهاء بإيران .
وهو اعتقاد راسخ لمجاميع يهودية عديدة في العالم لم تتأثّر بالدعاية الصهيونية القائمة في باطنها على قيمة استعمارية وعلى فهم صهيوني متطرف، وفي ظاهرها على الثأر لما حصل للأجداد من حيف وظلم وسبي.
العديد من مؤرّخي هذا التاريخ الخاص ولحقيقة ما جرى في فلسطين من إنشاء الكيان الغاصب يذهبون قاطعين أن ما حدث منذ المرحلة الهرتزلية ما هو إلاّ استثمار غربي إمبريالي للقضية اليهودية، والمتاجرة بها «لتستفيد منها الإمبراطورية سياسيا واقتصاديا» كما كان يقول الكولونيل ج. ب. ويدجود.
اليوم لا يهمّ كثيرا أن تستجدي تل أبيب يهود الشرق الأوسط في الترحال إليها مادامت الأرقام تشير إلى أن الهجرة المعاكسة تتعاظم يوما بعد يوم يُذكيها هاجس الأمن. ومادام المهاجرون إلى الكيان الصهيوني يحسّون بغربة قاتلة داخل بلاد الأجداد كما قال ذلك أحدهم وبصوت مبحوح.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ