لم تعد الفيروسات أو البكتيريا هي الأخطار الأكثر تسارعا في تهديد صحّة الإنسان، فالبدانة، وعلى رغم أنها ليست مرضا معديا، أصبحت تنتشر على وجه السرعة من قاعدتها المتأصّلة في العالم المتطور كي تطول العالم النامي. بهذه الصورة المفرطة في وضوحها، لخصت المحررة في موقع (www.america.gov) إريكا غيبل، أمراض السمنة أو البدانة، التي زادت معدلاتها، كما تقول غيبل «زيادة كبرى في العالم قاطبة على مدى السنوات الثلاثين الماضية».
ووصل الأمر إلى تصنيف البدانة على أنها أحد الأوبئة التي تجتاح العالم، كما جاء في وثائق المؤتمر الخامس عشر للبدانة في أوروبا الذي عقد في بودابست، معتمدا في ذلك على تقديرات تقول إن هناك ما يربو على 1,1 مليار شخص في شتى أنحاء العالم يعانون من زيادة الوزن منهم 312 مليون شخص مصابين بالبدانة.
ووفقا لدراسات نشرتها منظمة الصحة العالمية فإن «عدد الأشخاص الذين يعانون من السمنة في العالم سيرتفع إلى أكثر من الضعف في غضون 7 سنوات ليصل الرقم إلى 700 مليون نسمة بحلول العام 2015».
وهناك تعريفات كثيرة للبدانة، بعضها علمي معقد. لكن بلغة الإنسان العادي تعتبر البدانة تلك الدهون المتراكمة بشكل غير طبيعي في مخزون الأنسجة الدهنية في كل أجزاء الجسم. و هذا المخزون يزيد بزيادة العمر في البالغين ويميل إلى النقصان مرة ثانية بعد العقد السادس من العمر.
ويقف وراء الإصابة بالسمنة أسباب كثيرة ومختلفة، بعضها جسماني مصدره قلة الحركة وبعضها الآخر فسيولوجي كالشهية الزائدة للطعام وتقدم السن، ولا يخلو الأمر من أسباب اجتماعية تعود إلى العادات والتقاليد لدرجة أن البعض يصنف البدانة على أنها وباء اجتماعي، ولايمكننا هنا أن نغفل العامل الوراثي فهو من العوامل الرئيسية التي تعزز احتمالات «الإصابة» بالبدانة. وهذا ما تذهب إليه غيبل أيضا في مقالها المشار إليه، إذ نجدها تقول إن الباحثين قد حددوا «عددا من مورثات البدانة باعتقادهم أنها متصلة بصورة من الصور بنزوع الفرد لأن يزداد وزنا، مضيفة أنه وحتى العام 2005 تم تبيان 11 تحولا جينيّا متصلا بخطر البدانة. ويمكن أن يساعد فهم الأسس الفيزيوليزجية والوراثية للبدانة العلماء على تطوير علاجات ناجعة وجديدة بالعقاقير المناسبة للحد منها».
وبالنسبة إلى الأطفال، وهي الفئة التي غالبا مَّا تثير اهتمامات الوالدين، ترى بعض الدراسات وعلى الخلاف مما يتوهمه الوالدان، أنهم، أي الأطفال، «حين لا يحصلون على فترة كافية من النوم معرضون للإصابة بالسمنة أكثر من أقرانهم الذي ينامون جيدا». هذه ما أثبتته بعض الدراسات على العلاقة بين النوم والسمنة لدى الأطفال.
ومن المؤشرات التي تدلل على تزايد الاهتمام الذي توليه المؤسسسات الصحية لمسألة البدانة كونها طورت معادلة لقياس موشر كتلة جسم الإنسان، تعرف باسم BMI اختصارا لـ (Bodi Mass Index)، يتم من خلالها احتساب وزن الإنسان بالكيلوغرامات ويقسم على طوله بالمتر مضروبا في طوله بالأمتار مرة أخرى، فإذا كان وزن الشخص - على سبيل المثال - 100 كيلو غرام وطوله 1,76 متر إذا فإن مؤشر كتلة الجسم سيكون 100 كيلو غرام فإذا كانت النتيجة أكثر من 25 كيلوغراما إذا فهو يعاني من زيادة في الوزن، وإذا كانت أكثر من 25 كيلوّا فهو يعاني من السمنة أما إذا كانت أكثر من 40 كيلوغراما فهو في حالة ملحة للعلاج لإنقاص الوزن.
الشيء الجديد الذي بات مرتبطا بالسمنة، هو أن هذه الآفة المتنامية باتت باهظة الكلفة، اذ تفيد مراكز ضبط الأمراض في الولايات المتحدة أنه في العام 2000 أنفقت الولايات المتحدة ما مجموعه 117 مليار دولار على مكافحة واستدراك مشاكل وعلل متصلة بالبدانة.
وتعزو وزارة الصحة الأميركية نحو 300 ألف حالة وفاة سنويّا في الولايات المتحدة إلى أسباب مرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، مقابل 400 ألف حالة وفاة ناجمة سنويّا عن التدخين. هذه الكلفة الباهظة هي الدافع وراء قرار الحكومة الأميركية تقديم حوافز مادية تتمثل في اقتطاع كلفة علاج البدانة من الضرائب كطريقة جديدة لمعالجة مشكلة السمنة التي باتت اليوم تشكل إحدى أبرز المشكلات الصحية في البلاد.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ