العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ

مدرسات رياض الأطفال لايزال الأسى يسيطر عليهن

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

تحدثت قبل فترة غير قصيرة عن معاناة معلمات رياض الأطفال، حاولت حينها أن ألقي الضوء على أكثر تفاصيل قضيتهن، بحيث تمكنت من تسليط الضوء على الزوايا المعتمة، على رغم تذليل بعض الصعاب التي يعانين منها، فالمعاناة لديهن فعلا بالجملة ولا حياة لمن تنادي، لأن للأسف الشديد الذين يتعاملون مع قطاع رياض الأطفال فاقدون لإنسانيتهم لذلك كانت القصاصات والممارسات والتعاملات قاسية جدا، وتكاد تخلو من وجود روح الإنسانية.

في الوقت الذي يتغير كل شيء حولنا ويتقدم المتأخر، إلا أننا لا نعرف لماذا لانزال نراوح مكاننا في موضوعات جدا حساسة ومؤرقة وتؤثر سلبا على التنمية التي ننشدها، لم تعد اليوم مؤسسات رياض الأطفال ترفا، بل أصبحت ضرورة مجتمعية، اليوم الغني والفقير يأخذ طفله الصغير إلى الروضة والذي يتخلف عن ذلك ينظر إليه نظرة متخلفة.

لم تعد حجة عدم وجود الإمكانات المادية مبررا مقنعا لمنع الطفل من الاستمتاع والتعلم في دور رياض الأطفال، هذا الأمر، زاد الطين بلة لدى أصحاب الأطماع المادية وأصحاب السجلات الراغبين في تجميع ثروات طائلة من إدارتهم لهذا القطاع على حساب أمور أخرى لا تقل أهمية بل تزيد في أكثر الأحيان.

فالمعلم حتى يبدع ويقدم الأفضل ما لديه يحتاج إلى حوافز ويحتاج إلى بيئة تربوية وإدارية صحية سليمة بعيدة عن الأمراض الاجتماعية والنفسية التي إذا لم نبالغ قد غزت غالبية مؤسسات رياض الأطفال وإذا نجت المؤسسة فلا يمكننا أن ننسى معلمة رياض الأطفال التي أصبحت تحمل معاناتها معها أينما ذهبت، لا تستطيع أن تختزل مشكلتها بل لا تستطيع أن تلقي اللوم على جهة وتنسى الجهات الأخرى فالقطاع مهمل من قبل جهات كثيرة، وكل جهة تلقي بالكرة على الجهة الأخرى.

ومازلنا إلى اليوم نأمل فعلا أن تجلس الأطراف المعنية جميعها على طاولة واحدة بما فيهن ممثلات عن رياض الأطفال ومحاولة تنظيم القطاع بشكل لا يظلم أحدا، نحن بدورنا لا نريد أن نكون ظالمين لأحد فقد حدث وأن استمعنا إلى طرف واحد في الموضوع وقد سموا أنفسهم بالمتضررات وهن معلمات رياض الأطفال، وللإنصاف فهن فعلا مظلومات ويستحقن منا الشفقة، ويحتاجون إلى من يرحمهن غير رحمة الله طبعا، فالله سبحانه وتعالى لا ينسى أحدا ونطلب منه أن يمدهن بالصبر أكثر.

ولكن الجهات الأخرى لم نسمع لهم ولربما لديهم بعض المبررات والأسباب وقد تكون في مكانها أو لا تكون، ولكن لا أظن أنه يقع عليهم ظلم كالذي يقع على معلمة رياض الأطفال التي عليها أن تصنع المعجزات وزمن المعجزات قد ولى وانتهى، وعليها أن تنصاع لكل ما حولها من تعليمات وتعميمات إدارية ووزارية من دون أن يكون لها رأي فيها بل حتى لو جاءت بشكل يتنافى مع الوضع الحقوقي.

عليها أن تعمل لمدة 12 شهرا على سبيل المثال لا الحصر بشكل متصل حتى تتمكن من الحصول على إجازة تقدر بشهر واحد فقط وبلا راتب، فقط لو نتأمل بشكل متصل يعني أنها لا يحق لها أن تمرض وأن تأخذ إجازة مرضية حالها كحال جميع البشر الذين يتعرضون في أي يوم أو في أي وقت لأي مرض يمنعهم من مزاولة عملهم وليكن ليوم واحد لأنها حين ذاك قد أخلت بصفة الاتصال وصارت في حكم آخر وهو الانفصال، فضلا عن أنها قد تمرض وتذهب للعمل لا إشكال في ذلك ولكنها لا يمكن لها أن تتغيب لظروف قاهرة كحالات الوفاة، أو ظروف تتعلق بالأمومة، عليها طوال فترة عملها في رياض الأطفال أن تمنع نفسها من الحمل والولادة وإذا فكرت في يوم من الأيام أن تعيش دور الأم أن تتخلى عن وظيفتها فلا إجازة أمومة تعطى لها ولا هم يحزنون، مهلا أين نعيش نحن؟

ونحن نخالف الكثير من الأعراف الحقوقية، لقد تخلفنا كثيرا لأننا لم نعد نتقدم للأمام في هذا الملف تحديدا، وعلينا أن نملأ رياضنا كل عام بالأطفال وأن نوفر المعلمات لمزاولة عملهن فلا رياض أطفال بلا معلمات، فهن ركن أساسي في التنظيم ولكنهن لسن كذلك بالنسبة إلى التقيدات والتشريعات التي تنظم القطاع.

فالأسى فعلا لايزال يسيطر على معلمات رياض الأطفال وهم فعلا بحاجة إلى من يقف معهن ويدافع عن حقوقهن، لأنهن لو وقفن مواجهات من حولهن قد يضطرن إلى خسارة عملهن، فالفصل أمامهن تماما كالذي حدث لأبرز معلمات رياض الأطفال النقابية أمينة عبدالجبار رئيسة نقابة العاملات برياض الأطفال التي بذلت قصارى جهدها بهدف إرجاع الحقوق لمعلمات رياض الأطفال وكان نصيبها أن فصلت وخسرت وظيفتها التي تحملت منها ما تحملته، ولكن الروضة لم تتحمل منها دفاعها المستميت للقطاع الذي عملت فيه وأعطته من طاقاتها ونشاطها ومن وقتها وعمرها ما كان يكفي لفرض احترامها، ولكن التقدير جاء بفصلها للاستراحة منها، القرار جاء أيضا بهدف إرعاب من حولها حتى لا يتمكنوا من الاستمرار في المطالبات لأن مصيرهن سيكون كمصيرها، والظلم يستمر والأسى يستمر، وبتنا نخاف أن نأخذ أطفالنا إلى رياض خانع خائف ومظلوم مقهور المطلوب منه أن يعطي أكثر مما يأخذ والمعادلة صعب استيعابها وصعب تطبيقها والنتيجة مرعبة وغير مأمونة العواقب.

ما نرجوه فعلا من الأطراف المعنية النظر بجدية إلى تلك المسألة، والعمل على إحداث توازنات معقولة لكل الأطراف لا ضرر ولا ضرار.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً