لا نريد لمملكة البحرين الحبيبة، التي يقود دفة قيادتها عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أن تكون مثلا لمن يتخلى عن كفاءاته البشرية الفاعلة، ولا نريد لها أن تكون من بين الدول التي تسود فيها بطالة العناصر الجامعية، لأن العنصر البشري غدا العنصر الفاعل المحرك لأية عملية تنمية حقيقية.
وأجزم كل الجزم، أن قيادتنا السياسية، يؤرقها الحديث عن وجود عاطلين جامعيين، لأنها تضن بأبنائها، وتحرص على وضعهم في المكان الملائم في عجلة التنمية الشاملة. وحين يأتي الحديث عن تعطل آلاف من النساء اللاتي حصلن على مؤهلات جامعية في تخصصات مختلفة، وأكثر هؤلاء من الأسر ذات الدخل المحدود، الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تعليم بناتهم وأبنائهم أملا في تحسين وضعهم الاقتصادي، فإن هذا الحديث يكون مؤلما وشاقا تقبله في بلد خليجي متطور مثل البحرين يعتمد خططا استراتيجية للتطور والبناء.
وأتساءل، أين الخلل في تعطل الجامعيين؟ هل يكمن في الجامعيين الذين تخرج غالبيتهم من جامعة البحرين المعروفة بمعاييرها الأكاديمية الصارمة، أم في نوعية تخصصاتهم الذين أجبروا على قبولها، وبعضهم ممن حصل على بعثات فيها؟ أيكمن في السياسات الحكومية التي لا تريد لجهازها الإداري أن يتضخم أكثر من تضخمه الحالي، أم في عمليات التوظيف الحكومي التي لا تخلو من شوائب، أبرزها سياسة التمييز الوظيفي؟
قبل عام تقريبا، ورد على لسان المسئولين في ديوان الخدمة المدنية أن هناك نحو ألفي وظيفة حكومية شاغرة، وحين جاء المحك للإعلان عن هذه الوظائف الشاغرة تخلت معظم الوزارات عن الكشف عنها. وبتاريخ 25 مارس/ آذار من السنة الجارية نشرت صحيفة «الأهرام» المصرية في صفحة أخبار محلية (صفحة 8) إعلانا من مملكة البحرين، ديوان الخدمة المدنية، يعلن عن وجود مجموعة من الوظائف الشاغرة بهيئة الكهرباء والماء (إدارة توزيع الكهرباء)، وحدد الإعلان المؤهلات المطلوبة لتلك الوظائف بالحصول على بكالوريوس أو دبلوم الهندسة وفقا لتخصص كل وظيفة معلنة، كما حدد لبعضها سنوات خبرة.
وبالمناسبة، كان هذا الإعلان محور سؤال نيابي قدمته للجهة المسئولة، وللأسف الشديد طلبت تلك الجهة فرصة أسبوع واحد بعد انتهاء مدة الإجابة عن السؤال، وانتهى الأسبوع، ولم تجب عن السؤال، من دون محاسبة من المجلس لهذه الجهة التي استغفلت المجلس لينتهي دور الانعقاد من دون رد منها. وهذا هو قدر النواب من الجهات الحكومية التي يفترض فيها التعاون معهم لاستجلاء الحقائق.
وأقول، لو كانت نية هؤلاء المسئولين صادقة في توظيف العاطلين الجامعيين، لكان الأجدر بها أن تبحث في قوائم العاطلين من حملة تلك المؤهلات وتعمل على تدريبهم وتوظيفهم، وأترك الأمر هنا لتقدير القيادة السياسية التي عودتنا على محاسبة هؤلاء المقصرين في حق البحرين وأبنائها، بعد أن عجز مجلس النواب عن محاسبتهم، ومراقبة أدائهم.
وفي كل عام، يسافر وفد ممثل لوزارة التربية والتعليم لبعض البلدان العربية بحثا عن معلمين ومعلمات، وكأن البحرين مازالت في عهد ستينيات القرن الماضي، وحين تسأل عن ذلك يجيبون بأن الحاجة ماسة لاستجلاب هذه العمالة لئلا تتعطل عجلة العملية التعليمية. والعجب أن غالبية تلك العمالة متوافرة من بين أبناء البحرين، وربما احتاج الأمر إلى إعادة تأهيل بعض أولئك العاطلين الجامعيين ليقوموا بالمهمة المحددة.
حاولت التأمل في أعداد العاطلين الجامعيين، وفي تخصصاتهم، وأسمائهم، ومواقع سكنهم، وسنوات تخرجهم، وانتهيت إلى نتيجة يقينية، أن المشكلة مفتعلة وسببها ضيق أفق القائمين على عمليات التوظيف. فتخصص الإسلاميات مثلا، يجب أن يقتصر في غالبيته على فئات محددة من أبناء هذا الوطن، لأن تعيين لون معين في مكان غير مناسب، من وجهة نظر القائمين على التوظيف، مضر بالمصالح الوطنية العليا في البلاد، وعليه، يجب استيراد عدد من المعلمين والمعلمات من الدول الشقيقة لسد حالة النقص التي لا يمكن سدها بمواطنين بحرينيين من ألوان مختلفة.
أيعقل من بلد مثل البحرين، معروف بالتسامح، أن يميز بين مواطنيه في عمليات التوظيف بسبب ألوانهم؟ ألا يستحق ذلك مساءلة صادقة من قبل نواب الشعب الذين أقسموا على الوفاء للملك، والذود عن البلاد؟ لا نريد سوى فتح تحقيق موضوعي في الأمر، فما بالكم تتخاذلون حين الحديث عن لجنة تحقيق في التمييز الوظيفي؟ وربما يكشف التحقيق غير ذلك، وبذلك تطمئن القلوب، وينزاح الشك، ويرتاح الضمير.
سمعت من كثير من هؤلاء العاطلين الجامعيين يرددون كلمات لها معنى واحد هو: لا أمل لنا إلا في مبادرة سريعة من جلالة الملك، وأنا أيضا أوجه كلمة قصيرة لعاهل البلاد رعاه الله، فأقول، إن أبناء البحرين وبناتها هم أبناؤك وبناتك، وأنت والدهم الحنون، وهم ينتظرون منك المبادرة إلى إنقاذهم من المحنة التي وضعوا فيها، ولقد تعودوا منك الرحمة وألفوا منك سرعة المبادرة، ومكرمتك التي خصصت فيها خمسة عشر مليونا لتوظيفهم، تكاد تذهب أدراج الرياح، لأن فئة من المسئولين ضيقي الأفق لا يريدون لها الحل، وواثق أنك لن تتخلى عن أبنائك وبناتك الذين ينظرون إليك على أنك الأمل المنقذ لهم من محنتهم.
إقرأ أيضا لـ " عبدعلي محمد حسن"العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ