صدرت عن دار فراديس للنشر والتوزيع قبل أيام المجموعة القصصية البكر للقاصة البحرينية مها المسجّن، وجاءت في 96 صفحة من الحجم المتوسط تحوي خمسة عشر نصا قصصيا متنوعا. تعتبر المسجّن من أبناء الجيل الجديد الذي بدأ يظهر على استحياء. وفي محاول لفهم هذا الجيل جاء هذا اللقاء.
«النافذة» عنوان مراوغ ويفتح شهية التأويل على أكثر من جهة... «النافذة» التي ظهرت في أكثر من نص تطل على مناظر وقضايا مختلفة، كم نافذة أردتِ أن يطل من خلالها القارئ، ولماذا اخترتِ النافذة بابا للدخول للمجموعة؟
- لست مهتمة بعدها بقدر ما يلهمني نوعها، واخترت النافذة لأنك لتهرب من مكان ما عليك أن تتوجه للنافذة لان الباب سيكون المنفذ المتوقع، والنافذة ستكون الخيار الذي لا يخطر للآخرين على بال، أريد للقارئ أن يهرب لمجموعتي.
لكل كاتب رهان يحرص على كسبه رغم أن النرد دائما في يد القارئ: على ماذا راهنت مها في هذه مجموعتها؟
- على أن تصل للجميع.
من الملاحظ افتقار المجموعة لعامل الزمن الذي يكاد يكون هلاميا في الأغلب، واعتماد القاصة التركيز على الشخوص والأماكن بشكل أكبر، فهل تعتبرين حصر القصة في زمان ما يحدّ من حريتها المطلقة لدى القرّاء أم أن هاجس التأريخ غير ذي بال لديك؟
- الزمن قد يكون أي زمن، زمن يضعه القارئ حسبما يناسبه؛ لان الأزمنة تتشابه كثيرا ولكن الأماكن والشخوص هي الأهم وهي التي تتمايز عن بعضها.
من الواضح في المجموعة حرصك على الاشتغال على اللغة التي اقتربت من النثر أحيانا في بعض النصوص، فهل تشكل اللغة بالنسبة إليك هاجسا لحوحا وقت الكتابة للدرجة التي قد يطغى فيها على فكرة نص أو ينال منه؟
- سؤالك يطرح سؤالا آخر وهو: هل نكتب في حالة من الوعي أو في حالة هي أشبه بغياب الوعي، وكأن الكتابة حالة من الشعور الممزوجة باللاشعور، والكاتب حينما يكتب يكتب دون أن يقصد كالحلم الذي يراه المرء، لا أظن أن أحدا ما يكتب نصا ثم يحاول أن يطرّز زواياه ووسطه ببعض الصور أو شيء من النثر أو غيره.
لا تشكل اللغة هاجسا لديّ، وأكتب دون أن انتبه إن كان ما اكتبه قد اقترب من النثر أو غيره، وإن كانت الفكرة ستتلاشى وتبقى اللغة فما قيمة النص؟ أليس النص في البدء هو فكرة واللغة هي الأداة ليس إلا؟
نصوص مثل «سيرة» و «حبات مطر» و «الهدية» جاءت متشحة بالرمزية المغالية نوعا ما إذا ما قورنت ببقية النصوص التي اعتمدت الرمزية المواربة، هذا الاختلاف في المستوى من معتدل لمعقد يجرّنا للسؤال لمن تكتب مها المسجّن؟ هل تكتب للنخبة؟ وإن كنتِ تكتبين للقارئ بشكل عام ألا تعتقدين أنك تراهنين على صبره حين يضيع في فهم الرمز؟
- أكتب لكل الناس، وأعتقد أن زمن الكتابة للنخبة قد ولى، وأراهن على أن القارئ - أي قارئ - لديه مستوعب فكري يستعين به، فالطفل مثلا يجيد الاستعارات حينما يقول بكل براءة: أحبك بحجم الفيل أو السماء أو البحر، فإن كان الطفل تعلم كيف يستعير حجم الأشياء المادية لبيان مدى عظم حبه، فالقارئ بشكل عام يستطيع أن يجد له متسعا في نصوصي.
ورد لك أكثر من نص على لسان رجل مثل نص «رائحة»، والنص الفائز بالمركز الأول في مسابقة الوجيه المؤيد للقصة، هل تعتقدين أن الكتابة بالنيابة أمر سهل؟ وفي ذات الخصوص كيف تلتقط مها شخصياتها من المجتمع؟
- الكتابة بالنيابة كما تصفها ليست أمرا سهلا لما لكل شخصية من خصوصية تتفرد بها، وكذلك الكتابة على لسان الجنس الآخر المغاير لجنس الكاتب لان الذكر ليس كالأنثى لا في طريقة التفكير ولا في طريقة التعامل مع الأمور، فالمرأة ثرثارة بطبعها والرجل كتوم يواري ما يواجهه في كهفه الخاص بعيدا عن الناس. ولكن يبقى أن الكتابة تحتاج لحالة من تلبس الواقع وفهمه عندها تصل لمرحلة تجيد فيها الكتابة بالنيابة كما فعلت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي.
وعن اختيار الشخوص فأنا التقطها كما تلتقط الكاميرا الصورة، هي لقطات سريعة قد لا تكون لقطات متسلسلة أو لشخص واحد أو حدث واحد، فأنا أعشق مراقبة الناس وكثيرا ما أقود سيارتي ببطء في القرى لأني أريد أن التقط أكثر من صورة وأكثر من شخصية عندها تترك بعض الصور أثرا في ذاكرتي فأزاوج بينها وبين فكرة تراودني.
هناك مقتبس من نص «هدية» تقولين فيه «اعذرني يا سيدي، إن الكتابة فعل الأتقياء وأنا ما عدت تقية منذ قتلت كلماتي الناس...»، باعتقادك كيف يمكن للناس أن تقتل عملا كتابيا ما؟
- بطرق كثيرة، أبسطها أن تترك الكتب ملقاة على الرفوف في المكتبات تستجدي نظرة أو مصافحة.
ثم إن كانت الكتابة فعل الأتقياء لماذا توجد كتب شيطانية بتصورك؟
- لان ليس كل من يمتهن الكتابة يكون تقيا، يكتب الجميع في هذه الأيام وخصوصا مع انتشار الانترنت في كل المنازل، تجد وراء كل شاشة كاتبا، ولكن ليس شرطا أن يكون ذلك الكاتب تقيا.
بعيدا عن المجموعة وقريبا من المشهد القصصي في البحرين، هل ترين أن هناك حراكا واضحا للقصة البحرينية؟
- هناك حركة جيدة للقصة البحرينية وأسماء كثيرة، ولكن المهم استمرارية هذه الأسماء، فهناك الكثير من الأسماء أصدرت لها كاتب أو مجموعة واختفت عن الساحة.
أنت ابنة للجيل الجديد، فهل تعتقدين أن هذا الجيل حصل على حقه في الاحتضان والتوجيه من المؤسسات الثقافية في الدولة؟
- لا أظن أنه حصل على حقه، ربما تبرز على الساحة مشاريع لخدمة الجيل الجديد ولكنها سرعان ما تتوقف، وعندما تسير تسير متعكزة خوف السقوط ومعظمها يقوم على المحسوبية.
في مجتمعاتنا تعيش المرأة تحت وطأة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تقيّد وتكبّل حرية التعبير، مها المرأة هل وجدت صعوبة في إثبات حضورها على الساحة في ظل رجل يقال إنه يحتكر الساحة الثقافية والأدبية، ولا يرضى إلا بأخذ دور البطولة؟
- أكره مثل هذه الأسئلة التي تصور المرأة بوضع الفقيرة مكسورة الجناح على رغم أن الأوضاع الحياتية والظروف المعيشية التي نعيشها الآن أصبحت مختلفة كليا، فالمرأة تقف بجانب الرجل في معظم الميادين إن لم يكن كلها، وأما عن الساحة الثقافية فهي تتسع لكل الأقلام وعليك أن تشحذ قلمك حتى تجد لك مكانا بعيدا عن كونك رجلا أو امرأة، وأما عن دور البطولة فعلى النساء أن يسعين له وينلنه ولكنهنّ على ما يبدو يفضلنّ أن يتركن الرجل يتحمل بعض الأعباء عنهن، وإلا فهناك أقلام نسائية على الساحة الأدبية والثقافية جميلة جدا.
هناك فجوة سحيقة بين الناقد والكاتب، فحين يُتهم الكاتب بعدم التمكن من أدواته يُتهم الناقد بمحاولة وضع قوالب معينة للكاتب تختصر رؤيته الفردية، رغم فقرنا النقدي، هل تؤمنين بالمقولة التي تقول «يجب ألا تنتقد الأعمال الأولى بل يجب أن تحظى بالتشجيع»، ثم هل وجدت نقدا حقيقيا لأعمالك؟
- لا أؤمن بهذه المقولة لأن النقد هو الذي يجعل الكاتب يرتقي، والعمل الأول هو الذي سيخلق فضاء جديدا للكاتب، فإما أن يستمر ويواصل وإما أن تنهى مسيرته في الكتابة. نعم وجدت نقدا حقيقيا لأعمالي، وبت على يقين أن كل نقد سينال أحد نصوصي سيجعل قلمي أرشق وأحلى.
حضورك في عالم المنتديات والمواقع الأدبية الثقافية لافت، هل ثمة إضافة حقيقية طرأت على أدواتك من خلال اطلاعك ومشاركتك بشكل عام؟
- حضوري حاليا محصور في منتديات محددة وعددها أقل من أصابع اليد الواحدة. بشكل عام كان للمنتديات تأثير على أدواتي، ولكن القراءة هي التي شكلت معظمها.
عودة لـ «النافذة»... يصعب على الكاتب الرضا بشكل كامل عن أعماله، هل أنت راضية عن عملك؟
- الرضا التام يعني الكمال، ولا شيء كامل أبدا، ولكن كإصدار أول أجد نفسي راضية عن النافذة.
العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ