مزارع شبعا شظية من الأرض تقع في المنطقة الحدودية بين «إسرائيل» وسورية، وهي تستطيع أن تلعب دورا مهما أكبر بكثير من حجمها. يمكن لاتفاق حول تلك المنطقة، التي تقع على بعد 16 ميلا على المنحدرات الغربية لسلسلة جبل الشيخ أن تساعد على إيجاد قوة اندفاع نحن في أمسّ الحاجة إليها من أجل السلام في المنطقة.
بعد انسحاب «إسرائيل» من لبنان العام 2000، برر حزب الله هجماته ضدها من خلال الادعاء بأن انسحابها لم يكن كاملا، وبأن مزارع شبعا هي أرض لبنانية. لم تتشارك لا «إسرائيل» ولا الأمم المتحدة بهذا المنظور وقتها. إلا أن هناك اهتماما متجددا اليوم بتلك المنطقة. أثناء زيارة إلى لبنان في يونيو/ حزيران الماضي، صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قائلة: «تعتقد الولايات المتحدة أن الوقت قد حان للتعامل مع قضية مزارع شبعا». كما ناشدت السيدة رايس الأمم المتحدة استخدام «سمعتها الحسنة» للتعامل مع هذه القضية.
جرى احتلال مزارع شبعا أثناء حرب الأيام الستة العام 1967، بالتزامن مع احتلال مرتفعات الجولان من سورية، عندما لم يكن لبنان مشاركا نشطا في الحرب. اعتبرت «إسرائيل» المنطقة جزءا من سورية وفرضت عليها القانون الإسرائيلي عندما ضمت مرتفعات الجولان العام 1981. لم تعترف الأمم المتحدة بهذا الضم من طرف واحد في قرارها رقم 497 غير الملزِم. وينص ذلك القرار، الذي تم تبنيه بالإجماع على أن «قرار (إسرائيل) فرض قوانينها وسلطتها القانونية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ومرفوض وليس له أثر قانوني دولي.»
عندما انسحبت «إسرائيل» من مناطق جنوب لبنان المحتلة في مايو/ أيار العام 2000، أعلنت عن بدء خلاف له أهميته يتعلق بوضع مزارع شبعا. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة أكدت على أن انسحاب «إسرائيل» من لبنان أصبح كاملا إلا أن كلا من سورية ولبنان خالفتا ذلك.
أعلنت دمشق أن المزارع ملك للبنان، على الرغم من أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق رسمي بين لبنان وسورية يحدد ويخصص هذه المنطقة الحدودية بشكل واضح. تظهر الخرائط اللبنانية المطبوعة رسميا في ستينيات القرن الماضي المزارع على أنها داخل سورية، كما يظهر ذلك أيضا في الخرائط المبكرة التي تعود إلى حقبة الانتداب الفرنسي على لبنان في عشرينيات القرن الماضي.
إلا أن هناك عناصر تعطي صدقية لملكية لبنان للمزارع. يملك سكان المنطقة منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي حجج ملكية مختومة بختم الحكومة اللبنانية تدعم موقف الحكومة اللبنانية. وقد وجد آشر كوفمان، وهو أستاذ بمعهد جون ب. كروك لدراسات السلام الدولية، أثناء قيامه ببحوث حول هذا الموضوع، وثائق مهمة في أرشيف الحكومة الفرنسية. بحسب هذه الوثائق، يمكن اعتبار أن مزارع شبعا تقع ضمن حدود لبنان الحالية.
في مايو العام 2000 أخبر وزير الخارجية السوري فاروق الشرع كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة يومها أن سورية تدعم ملكية لبنان لتلك المنطقة. وفي مؤتمر صحافي في فرنسا، صرح الرئيس السوري بشار الأسد أن كلا من بيروت ودمشق سوف تقرران حدود بلدهما في مزارع شبعا بعد انسحاب «إسرائيل» من المنطقة، وسوف تقدمان بعدها خريطة إلى الأمم المتحدة.
هناك عدة مخاطر تتعلق بانسحاب «إسرائيل» من مزارع شبعا. عمل كهذا سوف يشجع حزب الله، الذي سيعتبره إثباتا إضافيا على أن العمل المسلح وحده هو القادر على تحقيق نتائج إيجابية. كما أنها ستفشل مساعي نزع سلاح حزب الله، حيث قد تدعي المجموعة أنها بحاجة إلى السلاح لأهداف دفاعية. الأمر الأكثر جدية هو أن هناك قلقا في «إسرائيل» من أن لدى حزب الله كمية أكبر من السلاح مما امتلكته قبل آخر نزاع لها مع «إسرائيل». إلا أن هذه النواحي السلبية تتهاوى أمام النواحي الإيجابية التي يمكن الحصول عليها نتيجة لتحرك إيجابي نحو السلام.
تنطوي إعادة مزارع شبعا إلى لبنان على تنازلات مهمة من قبل جميع الأطراف. يعني ذلك بالنسبة إلى حزب الله قبول بعض الحدود على قدرته على شن هجمات ضد «إسرائيل». ويعني ذلك بالنسبة إلى سورية التنازل عن أية مطالبات بملكية تلك المنطقة. ويعني الأمر بالنسبة إلى»إسرائيل» التنازل عن منطقة عازلة مهمة ذات أهمية عسكرية وإستراتيجية على حدودها الشمالية. على الرغم من ذلك فإن النواحي الإيجابية ما زالت أكثر من تلك السلبية.
سوف يفرض الاتفاق على مزارع شبعا على كل من لبنان وسورية أن تحدّد حدودهما المشتركة إلى درجة أدق، وأن تميزا - بعد اتفاقهما الأخير فتح سفارات في عواصمهما - شخصيتيهما كدولتين منفصلتين. أما بالنسبة إلى «إسرائيل» فقد يؤدي الأمر إلى المزيد من الاتفاقيات التي ستفتح احتمالات صفقات سلام مع جيرانها العرب. وبالنسبة إلى المنطقة ككل سوف يعني ذلك إزالة عائق آخر أمام السلام.
رغم كون عملية تبادل الأسرى الأخيرة مع حزب الله تشكل أمرا حزينا بالنسبة إلى الإسرائيليين، إلا أنها تثبت أنه رغم صعوبتها من الممكن التوصل إلى اتفاق مع العدو المتصلب. لقد أوجدت هذه العملية قوة اندفاع نحو تحركات جديدة تجاه السلام يتوجب على جميع الأطراف الاستفادة منها. توفر عملية حل أحجية مزارع شبعا فرصة نادرة لرعاية السلام في تلك المنطقة الممزقة.
*حائز بالتشارك جائزة نادي الصحافة الأميركي عبر البحار، مراسل أجنبي للميدل إيست تايمز إنترناشيونال (أستراليا)، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2147 - الثلثاء 22 يوليو 2008م الموافق 18 رجب 1429هـ