بنبرة تقترب من التهديد، دعا وزير الاقتصاد الالماني مايكل غلوس الدول الناشئة إلى تقديم تنازلات في المفاوضات بشأن تحرير التجارة العالمية. أطلق الوزير هذا التهديد عشية اجتماع وزراي لمنظمة التجارة العالمية في جنيف بدأ أعماله يوم أمس (الاثنين). ودون الوزير تهديده في الطبعة الالمانية من صحيفة «فايننشال تايمز» بالقول إن «دولا كبيرة ناشئة مثل البرازيل والهند والصين لا يحق لها التحصن وراء تسمية الدول النامية». وأضاف الوزير الذي ينتمي إلى الاتجاه المحافظ أنه «بالنسبة لي لا بد من ان تكون الدول الكبرى الناشئة على مستوى مسئولياتها في النظام التجاري العالمي. يجب عليها هي أيضا أن تضمن تحسنا حقيقيا من حيث الوصول إلى الأسواق»، مشيرا إلى أن «الجهود المبذولة في هذا الصدد لا يمكن أن تكون باتجاه واحد».
يأتي التهديد الألماني بعد مضي أقل من 24 ساعة على إبلاغ منظمة التجارة العالمية الصين أن التعرفة الجمركية التي تفرضها على قطع غيار السيارات المستوردة تتنافى مع قواعد المنظمة. وكانت الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي قد اشتكت الصين إلى منظمة التجارة العالمية لخرقها قوانين المنظمة. ويقول المحللون إن مسألة قطع غيار السيارات تحظى باهتمام واسع في الولايات المتحدة لأن صناعة السيارات -التي تعاني حاليا من منافسة شرسة ومن الانكماش الاقتصادي العالمي- قطاع مهم في الصناعة الأميركية.
الأمر الملفت للنظر أنه سبق ذلك بأقل من 24 ساعة أيضا تحذير المفوض التجاري الأوروبي بيتر ماندلسون من عدم إمكانية التوصل لاتفاقيات دولية مستقبلا بشأن قضايا التغيرات المناخية والأمن الغذائي في العالم واستخدامات الطاقة وذلك في حال تعثر أو انهيار المحادثات التي ستعقد الأسبوع المقبل في جنيف بشأن جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية، مضيفا أن «الحقبة الراهنة تشهد خطوات ضخمة لإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي وذلك مع ظهور قوى اقتصادية مثل البرازيل والصين والهند». العنصر المشترك في الحالات الثلاث السابقات هو «الدول أو الأسواق الناشئة». وعلاقتها المتوقعة في تعزيز العلاقات داخل قنوات تحرير التجارة العالمية.
ليس هناك حاجة لتأكيد أن التجارة الحرة تؤدي، فيما تؤدي إليه، إلى خلق المزيد من فرص العمل التجاري، واستخدام نظام أو وسائل أكثر كفاءة لمصادر الثروات الطبيعية. كما أن التخفيضات على التعرفة الجمركية - لتحرير التجارة العالمية - من شأنها أن تساعد كثيرا على تحسين أوضاع الصادرات، وخصوصا تلك التي تحقق قيما إضافية للأسواق التي تتوجه نحوها، الأمر الذي يجعل من مراقبة التدفق التجاري مجالا حقيقيا للتأكد من جودة السعر والخدمة، والحد من حجم العراقيل الإصطناعية كالتعريفات الجمركية. وهذه جميعا فوائد جمة من شأنها، متى ما طبقت على نحو شفاف وعادل أن تعود بالفائدة على المستهلكين وذلك لكونها تخلق مجالا أوسع للإختيار وأسعارا أقل من خلال المنافسة المتزايدة.
لكن مصدر الخلاف هو أساليب تطبيق هذا التحرير للتجارة العالمية. ويمكننا أن نبدأ هنا بمنظمة التجارة التجارة العالمية التي تم إنشاؤها العام 1995، وهي واحدة من أصغر المنظمات العالمية عمرا إذ إن منظمة التجارة العالمية هي خليفة الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الغات) والتي تم إنشاؤها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فمن المفترض، وانطلاقا من أهداف تأسيسها والوظائف المناط بها تنفيذها، أن تعمل هذه المنظمة على مجموعة من القضايا ذات العلاقة بحماية وتأمين علاقات عادلة ومتساوية بين الدول الموقعة على هذه الإتفاقية من خلال تسهيل تطبيق اتفاقيات التجارة متعددة الأطراف وإدارتها وتنفيذ أهدافها، وكذا توفير الإطار اللازم لإدارة إجراءات تسوية المنازعات الخاصة بالاتفاقيات، والمساعدة على وضع حد لتدهور البيئة التجارية، وتوفير منتدى للتفاوض بين الدول الأعضاء فيما يتصل بالعلاقات التجارية فيما بينها والتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين ووكالتهما الفرعية من أجل تحقيق اتساق أكبر في وضع السياسات الاقتصادية العالمية.
لكن المنظمة ونظرا للظروف الدولية السائدة لم تتمكن من القيام بهذا الدور على النحو الأفضل، تكفي الإشارة هنا للخلافات الناشبة بشأن حجم التخفيضات في الدعم الزراعي الأميركي والمدى الذي سيذهب إليه الاتحاد الأوروبي واليابان في خفض التعرفات التي تقيد دخول السلع الزراعية إلى أسواقهما ومقدار الخفض الذي ستحدثه الدول النامية في التعريفات على الواردات الصناعية، والتي لم يتم التوصل إلى حلول صارمة بشأنها من جراء الضغوط التي تمارسها واشنطن على منظمة تحرير التجارة العالمية، كمثال على عدم عدالة آليات صنع القرار في تلك المنظمة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2146 - الإثنين 21 يوليو 2008م الموافق 17 رجب 1429هـ