زرت الصين الأسبوع الماضي مستفيدا من العرض الترويجي لشركة طيران الخليج بمناسبة تدشين خط مباشر بين البحرين ومدينة شنغهاي التي بدورها تعد العاصمة التجارية للصين. وسنحت لي خلال الزيارة فرصة الاطلاع على حقيقة الأوضاع الاقتصادية في المارد الآسيوي. وهذه هي الزيارة الثانية لي للصين في غضون 3 سنوات إذ قمت في العام 2005 بجولة موسعة في البلاد المترامية الأطراف.
ويشهد الاقتصاد الصيني نموّا سنويّا حقيقيّا (أي بعد تعديل عامل التضخم) يزيد على 10 في المئة. وبحسب وحدة المعلومات بمجموعة الإيكونومست البريطانية يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين 3241 مليار دولار ما يعني الحلول في المرتبة الرابعة في العالم من حيث حجم الاقتصاد بعد كل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا. بل ترى الإيكونومست أن قيمة الناتج المحلي للصين ترتفع إلى 7238 مليار دولار بحسب مفهوم القوة الشرائية ما يعني حلول الاقتصاد الصيني في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وفي كل الأحوال يتوقع أن تأخذ الصين محل ألمانيا بالنسبة إلى القدرة الاقتصادية في غضون فترة قصيرة.
تغيير موعد الأولمبياد
يشار إلى أن العاصمة (بكين) ستستضيف فعاليات الأولمبياد في الفترة ما بين 8 و 24 أغسطس/ آب 2008. و كان من المفترض أن تقام المناسبة في الفترة ما بين 25 يوليو/ تموز حتى 10 أغسطس عندما تم اتخاذ قرار منح بكين شرف استضافة الفعاليات في العام 2001. ووافقت اللجنة الأولمبية الدولية على طلب السلطات الصينية تغيير موعد الفعاليات لأسباب مناخية.
تأمل الجهات الرسمية في تحسن الجو وتراجع معدلات الرطوبة وتقلص احتمال حدوث فيضانات بعد تعديل الموعد. ولاحظت ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في الصين وخصوصا في فترة الظهيرة أي ليس بأحسن حالا من البحرين.
وتتوقع سلطات السياحة مجيء 120 ألفا إلى العاصمة (بكين) لأغراض الأولمبياد وذلك من أصل 450 ألف زائر دولي للعاصمة في شهر أغسطس.
وكانت بكين استقبلت 420 ألف زائر أجنبي في الفترة نفسها من العام الماضي. ويأمل المسئولون قيام عدد غير قليل من الزوار بزيارة بعض المدن الأخرى وخصوصا تلك الواقعة في الساحل الشرقي وتحديدا شنغهاي التي تبعد مسافة ساعتين بالطائرة عن بكين.
ولأسباب منطقية؛ قامت الجهات المنظمة بتوظيف وتدريب أكثر من 200 ألف فرد على أمور تتعلق بالأولمبياد فضلا عن عادات الشعوب واللغات الأجنبية.
وتعتبر اللغة مسألة مستعصية لمن يزور الصين، إذ ليس بمقدور غالبية الناس التعامل مع الزوار باللغة الانجليزية التي بدورها تعد اللغة الثانية للسواد الأعظم من الناس في العالم.
مئات الفنادق
توجد في العاصمة 5790 منشأة للضيافة تضم فيما بينها 339 ألف غرفة و665 ألف سرير. لكن يوجد تصنيف رسمي لنحو 820 من الفنادق والشقق الفندقية. كما قررت 119 منشأة فقط غالبيتها فنادق خمس نجوم التسجيل مع الجهات المنظمة لاستقبال الضيوف بشكل رسمي أثناء الأولمبياد.
وأبرمت الجهات المنظمة اتفاقات مع أصحاب 598 منزلا لغرض توفير 726 غرفة إضافية للزوار المحتملين. وقامت السلطات بإجراء تدريبات لأصحاب هذه المنازل على اكتساب المهارات الضرورية للتعامل مع الزوار القادمين من ثقافات مختلفة.
ويبدو أن الفنادق في بكين مصممة لجني مبالغ ضخمة من الزوار أثناء إحدى المناسبات الرياضية العالمية التي تقام مرة كل 4 سنوات.
وتبلغ تعرفة الغرفة في فنادق الخمس نجوم 596 دولارا (225 دينارا) لليلة الواحدة أثناء الأولمبياد بزيادة 3,6 مرات عن السعر في الفترة نفسها من العام الماضي. كما تبلغ قيمة الغرفة في فنادق الأربع نجوم 319 دولارا (121 دينارا) لليلة الواحدة أي 4,6 مرات أكثر من السعر الاعتيادي.
أزمة التضخم
وكما هو الحال عندنا، يسيطر موضوع التضخم على الأحاديث العامة. فاستنادا إلى الأرقام الرسمية، بلغ معدل التضخم 8,1 في المئة في الشهور الخمسة الأولى للعام الجاري. ويعد هذا الرقم مرتفعا مقارنة مع 4,8 في المئة خلال العام 2007. تعتبر السلطات مواجهة التضخم تحديا رئيسيّا نظرا إلى تأثير الأمر على المستوى المعيشي للمواطنين الذين يزيد عددهم على مليار و300 مليون نسمة.
يبقى أن أسباب التضخم في الصين مختلفة لما عليه الحال في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يعود الأمر بشكل جوهري إلى تداعيات ارتفاع أسعار النفط. زاد الطلب الصيني للنفط الخام من نحو 5 ملايين برميل يوميّا في العام 2001 إلى أكثر من 7,5 ملايين برميل يوميّا في العام الحالي. ومرد هذه الزيادة الحاجة الماسة إلى سد الطلب في اقتصاد ينمو بنسبة 10 في المئة سنويّا.
ارتفاع قيمة العملة
ويرتبط التحدي الاقتصادي بارتفاع قيمة العملة الوطنية (اليوون). فقد زادت قيمة (اليوون) بواقع 6,88 في المئة مقابل الدولار في النصف الأول من العام الجاري. وتزيد هذه النسبة على 6,86 في المئة قيمة الارتفاع في العام 2007 بأسره.
ويعود الارتفاع إلى استمرار تراجع قيمة الدولار في الأسواق العالمية في إطار سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي لتعزيز الصادرات الأميركية. وتسبب ارتفاع قيمة العملة إلى تقليص الفائض التجاري للصين في شهر يونيو/ حزيران الماضي إلى 21,4 مليار دولار بتراجع قدره 21 في المئة عن الفترة نفسها في العام 2007.
لا يعاني الاقتصاد الصيني من معضلة تداعيات الارتباط بالدولار إذ تم إنهاء الربط قبل ثلاث سنوات وتحديدا في يوليو من العام 2005. بل على العكس يجزم الاقتصاديون في الصين بأن ارتفاع قيمة العملة الوطنية ساهم في الحد من الآثار السلبية لارتفاع فاتورة الواردات لكن على حساب القدرة على التصدير.
ختاما يخشى المسئولون أن يتسبب التضخم فضلا عن ارتفاع قيمة العملة في حرمان الاقتصاد الصيني من الاستفادة القصوى من الأولمبياد.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2146 - الإثنين 21 يوليو 2008م الموافق 17 رجب 1429هـ