«لم أتوقع شيئا كهذا أبدا»، كان تعليق باكستاني مسلم يحضر المؤتمر العالمي للحوار الذي نظمته عصبة العالم الإسلامي واستضافه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله.
كان هذا لسان حال معظم المشاركين في ما ثبت أنه تجربة مميزة.
وافق الجميع تقريبا على أن تنوع رجال الدين وغيرهم من الوفود لا يقل قيد أنملة عن كونه مثير للإعجاب. فبالإضافة إلى هؤلاء من كل زاوية من زوايا العالم المسلم ومن كل تنوع، مفتيون سنة وأئمة شيعة وفقهاء وأكاديميون وغيرهم، هناك عدد لا يحصى من المطارنة والكهنة وعلماء الدين المسيحي وأشخاص عاديين من كافة الطوائف المسيحية وجميع أنحاء العالم، إضافة إلى كتائب حقيقية من الحاخامات الأوروبيين والأميركيين والإسرائيليين، أضف إليهم كهنة هندوس ورهبان بوذيين. ولا شك أن هناك آخرين لم يجرِ اكتشافهم بعد.
كذلك شكّل تنوع وألوان الألبسة الدينية التي يمكن رؤيتها تدور في أرجاء ردهة الفندق وفي حفل الافتتاح بقصر إلبرادو، تعبيرا مثيرا للإعجاب بحدّ ذاته عن الحدث. كان هذا حوار بكافة الألوان. كان مفتيو السنة يلبسون الثوب الأبيض، والأئمة الشيعة يعتمرون العمامة والعباءة البنية، بينما ظهر كردينال بالألوان الحمراء والسوداء، ومطارنة بألوان أرجوانية وآخرون بالأسود، ومطارنة آخرون على رؤوسهم غطاء رأس مثير للإعجاب يحملون صلبانا مغطاة بالأحجار الكريمة. وظهر الحاخامات يلبسون طاقية الرأس الصغيرة والقبعات السوداء، وكهنة هندوس بألوان برتقالية وقرمزية ورهبان بوذيون بألوان رمادية. كانت تظاهرة ألوان، ولم يختلط الجميع معا والابتسامات تعلو وجوههم وهم يتحدثون معا بإثارة فحسب، وإنما كانوا يحييون ويعانقون بعضهم بعضا كأصدقاء أضاعوا بعضهم فترة طويلة. وقد وفّر منظر كاهن هندوسي بثيابه البرتقالية يسير عبر ممر خارج القصر الملكي وراء إمام سعودي يلبس الثوب الأبيض بعد الجلسة الافتتاحية مباشرة، وفر الصورة الرمزية الكاملة.
حقيقة أن المؤتمر عقد أصلا أمر علق عليه الكثيرون بالأمس. «من كان يتصور حدثا كهذا بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول؟» قال أحد المشاركين من بريطانيا. كذلك عبر مطران عربي بنفس الدرجة من الدهشة، ولكنها دهشة مختلفة بإعجاب قوي. «لم أتصور أبدا رؤية هذا العدد من الأديان هنا».
كذلك دُهِش قساوسة إنجيليون وكاثوليك وحاخامات يهود. لم تكن أهمية المؤتمر بالنسبة لهم ما قد يحققه في البيانات الختامية، رغم أهميتها، وإنما في المؤتمر نفسه، كإثبات على أن الناس من مختلف الأديان يستطيعون الاجتماع معا دون حقد أو ضغينة وإنما بدفء وأمل، وعمل من أجل الصالح العام.
كما كرر وجهة النظر هذه رجل دين كاثوليكي عالي المنصب من الأردن، حيث أغدق بالمديح والإطراء على الملك عبد الله لمبادرته. «نحن دائما بحاجة للحكمة في القادة السياسيين إذا أريد أن يكون هناك سلام»، قال رجل الدين. كان الحوار والمؤتمر «غاية في الأهمية». ولكن كانت هناك واقعية في موقفه. «تم ذلك من قبل القيادة السعودية. والآن، يعود الأمر إلينا نحن المشاركين لنأخذه إلى الناس».
بالنسبة لديفيد روزن، الحاخام البريطاني الذي يتمتع باحترام وإعجاب شديدين، سيكون من الغباء تصور أن الدين وحده يستطيع الإجابة على كافة الأسئلة. «إذا لم يفعل السياسيون ما هو ضروري فإن الحوار سوف يفشل. لا يستطيع الدين أن ينجح وحده». ولكنه أضاف أن السياسة سوف تفشل إذا لم تأخذ الدين بعين الاعتبار. يجب الإتيان بالدين عند التعامل مع النزاعات «كمصدر للتسوية والسلام». وهو يعتقد، مشيرا بالذات إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني أن مبادرات السلام فشلت واحدة بعد الأخرى «لأنه لم تكن هناك مدخلات دينية».
ولكنه هو أيضا متحمس بشكل ظاهر حول المؤتمر. الحماسة هي الشعور السائد، إضافة إلى شعور بأن الملك عبد الله قام بعمل فذّ في تحقيق حدث كهذا. إلا أن هناك شعور آخر بين الجميع بضرورة أن يكون هذا المؤتمر فاتحة عدد من المؤتمرات مثله، وبأنه إذا لم تكن هناك متابعة لمدريد فسوف يتعثر الحوار.
ولكن وبعد أن حصلوا على البداية، من غير المحتمل أن يترك الحضور أمرا كهذا يحصل.
*كاتب رئيس في «الأراب تايمز»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2146 - الإثنين 21 يوليو 2008م الموافق 17 رجب 1429هـ