العدد 2145 - الأحد 20 يوليو 2008م الموافق 16 رجب 1429هـ

النُّبَاحُ عَلَى جُثّةِ الأسَدِ شَجَاعة!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بالنسبة لواشنطن، فإن التقرّب لإيران عبر طاولة المفاوضات لا يقلّ خطورة من التقرب إليها عبر فوهة المدفع. بالحرب سيكون هناك تدمير. وبالطاولة سيكون هناك تكريس، وهما خياران يتقافزان ما بين الأسوأ والسيئ.

الإيرانيون لا يهمّهم كثيرا أن يدلفوا إلى داخل قوس الأزمات الإقليمية والدولية والمكوث هناك عقدا من السنيين؛ لأنهم مُدركون أن لعبتهم السياسية هي عالمية في قالب إقليمي. بينما الأميركيون يهمّهم كثيرا أن لا يُنفقوا أكثر من اللازم أو أكثر مما يربحون؛ لأنهم مُدركون أن لعبتهم هي إقليمية في قالب عالمي.

في بحر الأسبوع الماضي بات التغيّر الأميركي خطابا وسلوكا على حواف الدراماتيكية العبثية. فإعلان إدارة بوش المشاركة في مفاوضات مجموعة الدول الخمس + ألمانيا مع إيران في جنيف السبت الماضي هو ضمن سياق الذاكرة المتناكدة بين البلدين يبدو جديدا، لكنه وضمن خط المناورة والتحييد لا يحمل كثيرا من الأمل.

بين منعطفات الذاكرة نستحضر من دفء العلاقة ما حدث بعد غزو الكويت حين وقف الإيرانيون على الحياد، ثم ما جرى بعد الاعتذار الكلينتوني لطهران، ثم ما حصل إبّان «حصاد الخدمات المهدورة للخصوم» كما أسميه والتي أعقبت غزو العراق وأفغانستان.

وبين خط المناورة قد أفهم من الأميركيين أن الإرهاق قد أخذ مأخذه منهم بسبب الطاقة وبسبب أزمات المنطقة الفوّارة والمُكلفة. في مسائل الطاقة قد ترتجي الإدارة الأميركية من غزلها الدبلوماسي لطهران أن تُسكّن من سياسة تثوير أسعار النفط، ووجعها من استفزازات كاراكاس بين الفينة والأخرى. وأن تريح أكتافها من كثرة الضغط المُمارس عليها من شركات الطاقة العالمية العملاقة التي تأذّت كثيرا بفعل العقوبات الإيرانية الليبية واضطرت لنسج العديد من المخارج القانونية عبر الأراضي الهولندية للتخلّص من تبعات تلك العقوبات.

ومع الحديث المستمر عن خط المناورة يُصبح تعبيد الطريق لمُرشّح الجمهوريين أمر واجب. وأن ميزان الناخب الأميركي بات ميّالا نحو الحنين إلى إدارة ديمقراطية كالتي قدمها بيل كلينتون وما أفضت إليه من خدمات وتعليم وصحة مشهودة. وبالتالي فإن تنعيم الدبلوماسية مع إيران قد يُعطي إشارات من نوع خاص تدفع الناخب الإميركي لأن يتعامل مع أوباما ومكين على غرار السِّلال المتكاملة ما بين رفاه داخلي وإشباع خارجي محسوب.

وقد يكون ساركوزي الحليف غير المتّزن للأميركيين والبديل الجيد عن خوسيه ماريا أثنار المُضيّع قد أفاد واشنطن بدرس «انعطافه الحاد» في علاقته بالسوريين عبر البوابة القطرية والتي أزالت توتر الداخل اللبناني بطريقة مُجْدِية وسريعة.

في جانب آخر من الإدراك لتلك الخطوة الأميركية والتي يُمكن حملها «ظنا» على صيغة التغيير الحقيقي فإن إدارة بوش التي كانت تتأرجح ما بين خيارات رايس/ غيتس أو خيارات تشيني/ بولسن قد استطاعت الالتفاف أخيرا حول الخيار الدبلوماسي.

أنصار هذا الخط حاولوا إقناع الرئيس بوش (كما فعل ساركوزي بالنسبة لسورية) بأن إيران ليست طرفا هامشيا في الصراع، كما أنها لا تتمتع بمرونة وهامش من التنازل ما دامت أوراق الضغط الإقليمية بيدها، في الوقت الذي تحتاج فيه واشنطن الى ترتيب أوضاعها بسرعة. وهو ما يعني ضرورة القبول بهذا الخيار لأنه سيفيد من موقع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين تفاوضيا أمام الإيرانيين، وسيمنع روسيا والصين من تقديم تنازلات كبيرة لمصلحة إيران، ومن جهة أخرى، سيشجع الطرف المتحمس لعرض الحوافز في إيران للقبول به حسب رأي كوردسمان.

ضمن هذا المفصل وضمن مجموعة الدروس والاستشارات التي تُقدّم للبيت الأبيض تمت الاستعانة بمخرجات الملف الكوري الشمالي على رغم كهولته وقلة جدليته باستثناء مراعاة الهوس الياباني من الصواريخ الكورية الباليستية. فخط الدبلوماسية الأميركي بات يُصرّح بأن له الفضل في تدمير برج التبريد بمجمّع يونجبيون النووي بأيدي بيونغ يانغ نفسها. وبالتالي فهو يطالب بصدقية وواقعية مشهودة للمشاريع الأخرى التي ورّطت الإدارة الأميركية سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا والقوقاز.

لكن المهم ضمن هذا الإدراك هو الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تسير على خط الدبلوماسية بحذر مبتعدة عن خيار الحرب الخاسرة، لكنها وفي الوقت نفسه تمضي نحو سياسة التكريس لجدوائية الدبلوماسية الإيرانية العنيدة والمناكفة وغير القابلة للتطويع.

وهو ما يعني إعطاءها المزيد من الصدقية ضمن كيفية إدارة الصراعات الإقليمية والدولية بين الخصوم. وبالتالي فإن القيمة الخارجة عن المألوف في كل الفرضيات المُشار إليها ما بين ذاكرة متناكدة ومناورة وتحييد أو القبول بخيار الواقعية هو الوصول آليا إلى صيغة التكريس. وهو لا يقل ثمنا عن غيره من الخيارات.

مضى الآن يومان على محادثات جنيف التي شارك فيها وكيل وزارة الخارجية الأميركية وليام بيرنز إلى جانب المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافير سولانا مع كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي. وبطبيعة الحال فإن ما يظهر في الإعلام مغاير لما يحمله المفاوضون من ملفات وقصاصات أوراق وإشارات دبلوماسية.

ولا نعلم هل أن الولايات المتحدة في هذه المفاوضات التي جرت في الفندق التاريخي القابع في الناصية الأمامية لمدينة جنيف «أوتيل دو فيل» منذ العام 1872 ستجني مثل ما جنته بعد انتهاء الحرب الأهلية عندما قضت إحدى المحاكم البريطانية من إحدى قاعات هذا الفندق بدفع خمسة عشر مليونا ونصف المليون دولار للولايات المتحدة كتعويض عن أضرار الحرب الأهلية أم أن الإيرانيين هم الذين سيكسبون الجولة بعد رزمتين من الحوافز.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2145 - الأحد 20 يوليو 2008م الموافق 16 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً