العدد 2145 - الأحد 20 يوليو 2008م الموافق 16 رجب 1429هـ

عملية تجميل فكرية

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هناك الكثير من عمليات التجميل التي تقوم بها حفنة من أطباء العالم المتخصصين، ولكن عمليات التجميل الفكرية أصعب نوعا ما من العمليات التي تؤدى على الجسد البشري، حيث أنها لا تحتاج إلى طبيب وإنما تحتاج إلى البحث في النفس البشرية ذاتها.

إن هذه العملية التي يناشد بها البعض تعمل على تجميل الفكر بمعطيات تناسب التعايش السلمي مع فئات المجتمع، وتمحو الأفكار السوداء المعمول بها عند بعض الفئات الأخرى.

يؤسفنا أننا نحتاج إلى القيام بعمليات تجميل فكرية في الكثير من جوانب حياتنا، فمنّا من يجب عليه أن يقوم بعملية تجميل اجتماعية، ليكون احتكاكه مع الناس أكثر تآلفا، وهناك من يحتاج إلى عملية تجميل فكرية مع نفسه، لتخليصها من عذاب الأمراض النفسية التي ربط بها عنقه، وهناك من يحتاج إلى هذه العملية في إدخال الحب إلى قلبه المتحجر اتجاه أسرته ومجتمعه.

كذلك نحتاج إلى عملية التجميل الفكرية في فنون التعامل مع الآخرين، فكثيرون من أفراد المجتمع يفتقرون إلى التعامل مع الآخرين، مما يسبب له عزلة مجتمعية تفرض عليه التوجه إلى شخصية منعزلة بعيدة عن الناس حتى لا ينحرج في أمور قد تكون تافهة عند البعض.

وهناك فئة من الناس تعيش على فوضى الفكر في كل الأمور الحياتية، والتي تستدعي القيام بهذه العملية، حتى تتم إعادة جدولة وتنظيم الحياة، فتجدها قبل العملية تعيش عالة على نفسها، ولا تدري من أين تبدأ أو تجد القوى الكامنة بداخلها، ولكن ما أن تقوم بهذه العملية حتى تترتب مرة أخرى وتنجح في شق الطريق الصحيح الذي يناسبها.

وإذا بحثنا قليلا فإننا سنجد في كل شخص عاهة يحتاج إلى تغييرها، مرة عاهة البخل ومرة عاهة التبذير وتارة عاهة الأنانية، وأخرى عاهة الكسل... الخ.

وحتى تكون هذه العملية التجميلية متقنة لابد لنا أن نذهب إلى الطبيب الصحيح والكامن في «أنفسنا»، ويجب أن نبحث في مواطن الخلل التي فينا، حتى نستطيع أن نُرجع الأمور إلى نصابها الصحيح، وحتى نستطيع السير في قافلة الحياة الصعبة.

ولأضرب مثالا على ذلك، التقيت قبل يومين بصديقة أعرفها منذ أيام الدراسة، ولقد رأيت معالم تجميلية متغيرة في هذه الفتاة، التي كانت في يوم من الأيام منعزلة ومنطوية عن الناس، وكانت سريعة الغضب وشديدة القلق، فسألتها عن السبب وراء التغيير الفكري الذي حدث لها، فأخبرتني بأنها أجرت عملية تجميل فكرية!

وهنا طلبت منها أن ترشدني إلى الطبيب الذي ذهبت إليه، فذكرت أن طبيبها كان نفسها، حيث حاولت أن تبحث في نفسها، لترى النور الذي لم تره من قبل، حاولت أن تبحث عن مواطن القوة التي ستجعلها تغيّر من نفسها، فوجدت أن انعزالها عن الآخرين عامل سلبي يجب أن تتخلص منه، ووَجَدت كذلك أنَّ شدة الغضب تتبعه قسوة القلب، فآثرت أن تتغير بعملية تجميلية لفكرها بدون أن تدفع فلسا واحدا فيه. وبالإرادة وبعملية التغيير المتعبة مع نفسها يوما بعد يوم، استطاعت هذه الفتاة أن تصبح ما هي عليه اليوم.

ولو أننا حاولنا أن نقوم بما قامت به هذه الفتاة، في تغيير بعض عاداتنا السيئة من جميع النواحي، وفي شتى الأصعدة التي تخصّنا، فإننا سنقوم بعملية تجميلية لفكرنا حتى نتوصل إلى الشخصية الفكرية الجميلة التي نود أن نكون في يوم من الأيام، على رغم صعوبات التسلّق، فإن النجاح لابد أن يكون حليفنا.

ولنتذكر هذه الأبيات الحكيمة دائما، لتساعدنا في عملية التجميل الفكرية التي نريدها:

أني بُليت بأربع ما سلّطوا ألا لأجل تعاستي وشقائي

إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2145 - الأحد 20 يوليو 2008م الموافق 16 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً