عجيبٌ ما خرجت به مديرة إدارة علاقات المشتركين بالهيئة العامّة للتأمين الاجتماعي من تبريرٍ وتغطيةٍ «شرعية» لعملية رشوة بعض العاملين في الصحافة المحلية!
الصحافي إنّما يقوم بجزءٍ من واجبه الوظيفي حين ينشر أخبار المؤسسات والهيئات العامّة والخاصة، ويستلم مقابل ذلك أجرا بحسب شروط توظيفه بالصحيفة. وما يستلمه تحت الطاولة لقاء «خدمات»، فهو فسادٌ وسوء استغلال للمنصب، وإذا كان من جهةٍ حكوميةٍ فهو سرقة من المال العام.
الصحافي ليس موظف علاقات عامّة حتى يروّج لهذه الجهة أو تلك، أو يغطي تقصيرها، أو يكتب مقالات مدفوعة الثمن؛ لتلميع الأداء الفاشل لهذا المسئول أو ذاك. من هنا مرفوضٌ تماما ما طرحته مديرة إدارة المشتركين من تبريرٍ للتعاقد مع البعض من داخل الوسط الصحافي، بدعوى «دعم أنشطتها الإعلامية»، خصوصا مزاعمها بأنّ الهيئة العامّة للتأمين الاجتماعي «هيئة نشطة إعلاميا سواء على الصعيد الخبري أو الفني... وبالتالي هي بحاجةٍ إلى هذه الخبرات لدعمها ومساعدتها في هذا المجال»! وهذه من أغرب النظريات في مجال الإدارة للضحك على الذقون.
المديرة نفت شراء الذمم، ولكنها اعترفت باستئجار هذه الأقلام، «نظير أجر شهري قدره 350 دينارا، ومنذ ثلاثة أعوام، وفق عقود سنوية بحسب النظام الجزئي»، الـ (part time).
إنّ شراء الذمم ليس أخضر أو أصفر، إنّما هو ممارسة تتم بين بائع ومشترٍ. هناك طرفٌ مستعدٌ لنشر أخبار مؤسستك، وإجراء مقابلات معدّة سلفا، وكتابة مقالات تدافع عن سياساتك الفاشلة مقابل «عمولة». وهناك طرفٌ مستعدٌ لشراء هذه «الخدمات»؛ لتغطية سياساته وخططه التي تضرّر مصالح السواد الأعظم من الناس وأموالهم ومستقبلهم. بل والتفكير في زيادة عدد المجنّدين!
إنّ نشر صور شيكات هيئة التأمينات، يدين البائع والمشتري معا، فهو يتعارض مع القانون الحالي للصحافة، ويناقض أعراف العمل الصحافي، وضربٌ لما تمثله الصحافة من سلطة رقابية مستقلة في المجتمع الحديث. ومن حقّ السلطة التشريعية أنْ تفتح هذا الملف، فهذه «الخدمات الإعلامية» ممارسات غير قانونية، تشوّه سمعة المؤسسات الحكومية التي تتعامل معها، فضلا عن أنّها أحد مصاديق التلاعب بالمال العام.
لا نريد أنْ يتكوّن انطباعٌ سيءٌ عن الصحافة الوطنية البحرينية، ولكن هناك فئة محدودة ومعروفة للجميع، سيماهم في وجوههم من أثر الرشى، اعتاشت عشرين عاما على هذه الرشى حتى أثْرَت وأصبحت من أصحاب الأطيان والعقارات. وبعضهم يقبض شهريا أربعة رواتب من عدّة مؤسسات حكومية باسم «الخدمات الإعلامية»، ومسئولية الكتل النيابية أنْ تفتح هذا الملف لما فيه من فساد وتلاعب بالمال العام.
المسألة واضحة، بائع ومشترٍ، ولا مجال لتجميل عمليات الرشوة وشراء الذمم باسم «خدمات إعلامية»، خصوصا انهم يستخدمون هذه الفئة كما يستخدم المرتزقة في الجيوش الأجنبية، ولذلك رصدوا مخصّصاتها في خانة «المشتريات»، وليس ضمن مصروفات القوى العاملة!
التأمينات اعترفت وتفاخرت، بل وتزعم أنّ كل الوزارات تمارس ذلك، وذلك كارثة مالية. وعموما لا يمارس هذه اللعبة إلاّ جهاتٌ تعاني من ثغرات مالية وإدارية كبيرة، ولذلك تلجأ إلى المبيضين؛ لتبييض صفحاتها أمام الجمهور. وسواء كان العقد سنويا أو شهريا (بالقطوعة)، أو حتى يوميا (بالقطعة)... فذلك لن يعفي هؤلاء المسئولين عن دورهم في استمرار هذا الفساد. فقد آن الأوان للمحاسبة على هذا الهدر الفاضح للمال العام على حفنةٍ من السماسرة والمرتشين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2208 - الأحد 21 سبتمبر 2008م الموافق 20 رمضان 1429هـ