تكمن خطورة الاتهامات التي وجهها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير في كونها صدرت في توقيت يستهدف في الأساس الانتخابات العامة المقبلة في السودان والتي ستحقق للمرة الأولى في تاريخ البلاد الحديث عملية انتقال سلمي للسلطة.
كما تعد الخطوة محاولة من جانب الغرب، الذي يقف وراء القرار الذي يستهدف رئيسا عربيا على سدة الحكم، لوقف الاستثمارات الصينية الضخمة في السودان ومحاولة ابتزاز مكشوفة للحكومة السودانية للتراجع عن خطها السياسي المعلن وتعطيل جهود التنمية والعمران السريعة التي تعم البلاد.
العام المقبل 2009 سيشهد انتخابات عامة في السودان تشارك فيها كل القوى السياسية المشاركة والمعارضة لحكومة الإنقاذ وقد تم خلال الأيام الماضية إجازة قانون الانتخابات الجديد الذي يعتمد نظام الانتخاب بالدوائر الجغرافية والتمثيل النسبي على حد سواء مما يمنح كل قطاعات الشعب السوداني فرصة واسعة لانتخاب الرئيس المقبل وحكام الولايات والبرلمان الاتحادي والبرلمانات الولائية وهي خطوة هامة ومفصلية في التاريخ السياسي للسودان حيث تعد هذه الانتخابات مقدمة لانتقال سلمي للسلطة يحدث للمرة الأولى في السودان حيث شهدنا في العقود الماضية حكومات شمولية تأتي للسلطة عن طريق الانقلاب العسكري ويطيح بها الشعب في ثورات شعبية فيما تعد هذه أول حكومة شمولية تسمح بالتحول الديمقراطي وهي تمسك بالسلطة.
ما يحمد لحكومة الإنقاذ أنها اقتنعت عقب فترة حكمها الأطول في تاريخ السودان الحديث بأنها لن تستطيع حكم البلاد منفردة وقررت بعد نجاح اتفاق السلام في الجنوب ووضع حد لتمرد شرق السودان ومشاركة تجمع المعارضة الوطني في الحكم أن تمنح الجميع فرصة المشاركة في حكم البلاد عبر صناديق الاقتراع ونأمل أن يشمل ذلك إقليم دارفور إذا قبلت حركات التمرد التي لم توقع على اتفاق السلام على التفاوض والمشاركة في العملية السياسية بعيدا عن الاحتكام للغة السلاح.
تحرك اوكامبو يعد محاولة استباقية وتعبيرا عن مخاوف غربية من فوز البشير مجددا برئاسة السودان في لانتخابات المقبلة وهذا من حقه إن قرر الشعب السوداني ذلك. ونحت نقولها لاوكامبو ومن يقف وراء قراراته البليدة لقد ساهمتم بصورة غير مباشرة في منح البشير فرصة الفوز مجددا بالحكم لأن الشعب السوداني لا يرضى بالهوان والوصاية وهو شعب عنيد يتناسى كل الخلافات عند الشدائد ويتوحد خلف رموزه حماية وصونا لعزته وترابه.
إذا تركتم الأمر للشعب السوداني سيقرر بمفرده من يريد أن يحكمه ومن يريد أن يقصيه وهو لا يحتاج لمعاونة أحد في ذلك. لكن مثل هذه المراهقات السياسية يا من تدعون الديمقراطية تجيء بنتائج عكسية تماما وسيكون مفعولها مثل مفعول العقوبات الاقتصادية حيث استطاعت الخرطوم على رغم كل الضغوط أن تحقق معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة وصارت محور جذب لاستثمارات ضخمة تثير حنق وحقد الحاقدين.
هذا الأمر يقودنا لبحث السبب في الجانب الاقتصادي وهو الصين بالطبع التي ضخت استثمارات ضخمة وصارت تشارك في عمليات تنمية اقتصادية من شمال إلى جنوب السودان ومن الشرق إلى الغرب بما في ذلك دارفور. الشعب السوداني يكن كل الاحترام والتقدير لحكومة وشعب الصين لما لمسه من صدق النية وجدية العمل وروح الصداقة التي تعمق الروابط وهذا بالطبع سر نجاح التعاون العربي الصيني مقارنة بطبيعة العلاقات مع الغرب التي تفتقد لكل معاني الصدق في التعامل وتستهدف تحقيق الربح على حساب مصالح شعوب العالم الثالث.
رسالة أخيرة وصورة معبرة عن روح التسامح والشدة للشعب السوداني أهديها لاوكامبو، فقد شهد البرلمان السوداني أخيرا يوما تاريخيا حيث اصطفت المعارضة والحزب الحاكم جنبا إلى جنب داعمة للرئيس عمر البشير ضد الاتهامات الموجهة إليه من قبل المحكمة الجنائية الدولية. فقد رفض البرلمان القرار جملة وتفصيلا كما رفض بالإجماع اتفاقية روما والتي تمخضت عنها المحكمة الجنائية الدولية. ورأت المعارضة والحزب الحاكم أن قرار المحكمة الجنائية هو محاولة لتمزيق وحدة السودان فماذا تريد أكثر من ذلك يا اوكامبو؟
إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"العدد 2143 - الجمعة 18 يوليو 2008م الموافق 14 رجب 1429هـ