في العادة تستخدم ثنائية «عمر السني» و «علي الشيعي» في خدمة أغراض التقريب والتعايش بين السنة والشيعة في مختلف السياقات والمشاهد الاجتماعية والسياسية العامة، كما أننا اعتدنا وللأسف على أن يستخدم «عمر» ضد «علي» كنوع من التحدي والمناكفة والاستفزاز الطائفي المتبادل، ومنها على سبيل الأمثال «فيلق عمر» الذي أنشأه الزرقاوي لمقاتلة «فيلق بدر»، والألقاب والمكنيات المتقاذفة بين «أبي قحافة» و»الفاروق» و «أبي عمر» و»أبي الوليد» و»أبي سفيان» ضد «الكرار» و «الطيار» و «الزهراء « و «أبي عبدالله» كنوع من إثبات الذات والوجود الرمزي في المكان ولأغراض التنافس السياسي والشرعي وحتى الاقتصادية والتنافس أيضا في العمل الخيري وفي مشاريع الزواج الجماعي!
وبالنسبة لمزدوجتي «عمر» و «علي» وسواء تم استخدامهما للتقريب أو للتخريب بين الأشقاء الشيعة والسنة فإن مثل تلك المزدوجتين تظلان ناقصتين، واستخدامهما بالتالي استخدام مسطح ومجوف مهما عمقته وحشته نار التنافس الاجتماعي السياسي والحزبي بين الفريقين الإخوة/ الأعداء، فاقتصار استخدام «عمر» على أبناء السنة يوحي وكأنما هم قد استبدلوا عليا بعمر أو اكتفوا بحب عمر دون علي أو هم ينبذون عليا وآل بيت رسول الله ومثل هذا التصور الساذج والمفتري والتلقيني بات يعكس حجم القطيعة التاريخية الكبرى بين الجانبين وأزمة الثقة العصية على الفهم رغم التقارب والتداخل والاندماج الجغرافي والثقافي الفارق بينهما، فبات بالإمكان اللوذ بمفردتي «الأنا» و»الآخر» للأسف في الحديث عن علاقة السنة والشيعة!
ولكن لماذا لا يمكننا القول بـ «علي السني» و «علي الشيعي» طالما أن حب آل البيت الأطهار (رضوان الله عليهم أجمعين) عماد عبادي وفرضي لا يمكن المساومة بشأنه أو التقليل من شانه الاختلاف الفقهي والتأويلي والاستخدام السياسي والاجتماعي الطاغي لدى أهل السنة والجماعة كما هو لدى الطائفة الشيعية الكريمة؟!
ما العيب والضير في ذلك؟!
لماذا يضع العليّان السني والشيعي بينهما حاجزا أشف من الزجاج وأصلب من الفولاذ رغم أنهما يتحدان بحب آل البيت؟! إن علي السني الذي أعرفه جيدا ينهل زاد يومه من حب آل البيت الأطهار ويصلي عليهم يوميا في صلواته الخمس «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد» ويعتز بأسمائهم وألقابهم ويتداول سيرهم الطاهرة وجزيل أفضالهم، كما هو يحب صحابة الرسول الأعظم (ص) ومع ذلك لايزال يبدو عصيا عليه أن يلتقي مع أخيه علي الشيعي في درب واحد مع أنهما يسيران معا في الاتجاه ذاته، فعلى رغم الاختلافات الفقهية والتأويلية الثابتة والمستحدثة بينهما فإن هنالك مساحة من البون الشاسع تاريخيا الذي حفرته مخالب ومثالب السياسة وملأته بنارها وقارها، وكأنما أضحى ذلك البون السياسي بونا عقديا وشرعيا ولربما فطريا لا مناص منه، وهنالك برازخ وغمائم من الهمس ومن المشاع والمباع بينهما، فباتت جنة السياسة جحيما يعلوه فردوسا، ومع ذلك يجتمع العليّان السني والشيعي في أنهما لم يشاركا في المعارك التاريخية التي روت لهما ولم يعاصراها!
عرفت صديقي «علي» السني دائما ما يستشهد بتراث أئمة وشيوخ أهل السنة والجماعة في الذوبان بحب آل البيت الأطهار بدءا مما نسب إلى الإمام الشافعي في ديوانه من أبيات رائعة مثل:
يا راكبا قف بالمحصّب من منى
واهتف بقاعد خيفها والناهضِ
سَحَرا إذا فاض الحجيج إلى منى
فيضا كملتطم الفرات الفائضِ
إن كان رفضا حبّ آل محمد
فليشهد الثقلان أنّي رافضي
وأبيات أخرى كــ:
يا آلَ بيتِ رسول الله حُبّكمُ
فرض من الله في القرآن أنزلهُ
يكفيكمُ من عظيم الفخر أنكُمُ
من لم يصلّ عليكم لا صلاةَ لهُ
وحتى انتهاء بـالقصيدة الرائعة المنسوبة للشيخ الدكتور عائض القرني التي عنونها بـ «أنا سنيّ حسينيّ» وقال فيها:
وما نُحت نوح الثـاكلات تفجُّعا
عليك لأن الدِّين ينهى ويَعصمُ
أُصبنا بيوم في الحسين لو أنّه
أصابَ عروش الدهر أضحت تُهدّمُ
ألا ابن زياد سوَّد الله وجهه
معاذيرُ في قـتل الحسين فتُعلمُ
يقاضيه عند الله عنا نبيُّهُ
بقتل ابنه والله أعلم وأحكَمُ
على قاتليه لعنة الله كلّما
دجى الليل أو ناحَ الحَمامُ المرنّمُ
وتعرض عنه الخيل خوفا وهيبة
وفوق ظهور الخيل أجفى وأظلمُ
لنا كربلاء المجد ذكرى عزيزة
يجددهـا قلب ورأس ومعصمُ
وروح بها يطَّهـر الطُــهـر كّله
وعزما تهاب الأسْد منه وتهزمُ
أما ذكروا فيه النبيّ فأغمدوا
سيوفا وخافوا الله فيه فأحجموا
وربما لا نهاية أبدا لما تجود به القرائح في حب آل البيت الأطهار، ولكن علام الفراق وانعدام الانعتاق بين عليّ السني وعليّ الشيعي، لقد احتار صديقاي كثيرا في أمر ذلك السور أو الجدار أو الحاجز الذي يفصل بينهما، وهو رغم كونه شفافا فإنه لا يُهدم أبدا بمعاول الشرع والفقه القويمة، ولا يُهدم بمكبرات المؤتمرات وبنعومة البروتوكولات، لقد سئما كثيرا وضعهما وأرادا حكما بينهما عسى أن يرشدهما إلى كلمة سواء بينهما تزيل عنهما مضاضة ذلك الحاجز المنتزع من ماهيته، فهو يفضح كل شيء ويحجب كل شيء، ورغم فيض حب آل البيت الأطهار بينهما إلا أن هذا الحب الساخن يتلاطم بينهما على سطح ذلك الحاجز ويتلاشى زبدا ونثارا!
فمن يستشيران بعدما خذلهما فقهاء وخطباء ورجالات الدنيا قبل أن يكونوا رجالات الدين فهؤلاء للأسف أرادوها بينهم «ممالك» و«امبراطوريات» و «ضيعات» و «مزارع»؟!
ربما أحدهم اقترح على عليّ السني وعلى عليّ الشيعي أن يجدا عليّا المتعارف عليه بـ «عليّ العلماني» الذي يحب هو الآخر آل البيت الأطهار بمنهاجه الخاص عسى أن يرشدهما ويعطي حكمه غير الملزم وغير الفيصل لهما، فقصد عليّ السني وعليّ الشيعي بيت «عليّ العلماني» الذي انتقد تهاون كليهما وعجزهما عن إيجاد مجاز واحد بفيوض المحبة والعقلانية يقرب بينهما، كما نصحهما بأن يباشرا البحث والتفحص وحسم الأمر في طباق جيولوجيا (علم دراسة الطبقات المكونة للأرض).
وأركيولوجيا(علم دراسة الآثار والثقافات الإنسانية القديمة) الطائفية المنتنة قبل أن ينشدا «الجينوم» (خلاصة المعلومات الوراثية المخزنة رمزيا في الحمض النووي ) «يكبيديا» الطائفي، ولكن للأسف لم يسمع العليّان السني والشيعي بنصائح «عدو الله» عليّ العلماني وظنوه يستهزئ بهما ويتفلسف عليهما فعقدا العزم على الاحتشاد عند بيته والتنكيل به لكونه دجالا يمارس الدجل الفكري، فلما كان لهما ما أرادا قدر لهما أن يستمعا لآخر كلام عليّ العلماني «عدو الله» وهو يقول: «الحمد لله أنهما اتفقا عليّ، فذلك أفضل من أن يتفرقا من دوني، ولتحفر كراهيتهما المشتركة لي مجازا لتمر في وسعه مواكب المحبة لتعصمهما وتضمّهما»!
تفاجأ العليّان السني والشيعي بما استمعاه من التمتمات المحتضرة لعليّ العلماني الذي يبدو وكأنما أدركه ملك الموت سريعا وقبض روحه من دون أن يجد مشقة في تفكيك حلقات الاعتقاد بحسبهما، فقالا: «هل يعقل أن يكون قديسا ووليا صالحا علمانيا؟! هل هو عاشق؟! هل هنالك محبة علمانية ولو كانت أيضا في حق آل البيت والصحابة؟! ما شكلها إذا؟!».
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2143 - الجمعة 18 يوليو 2008م الموافق 14 رجب 1429هـ