بات في شبه المؤكّد أن روليهلالا نيلسون مانديلا سيكون غدا خارج قائمة الإرهاب الأميركية. فالجهود التي قادها مُشرّعون في الكونغرس لإقرار تشريع يرفع اسم مانديلا من القائمة الأميركية الخاصة بالإرهابيين وتذييله بتوقيع الرئيس يبدو أنها قد نجحت بعد محاولات مستميتة.
سفير جنوب إفريقيا في واشنطن وَلِيْلِي نلابو هو الآخر بذل جهدا خرافيا لإنجاح المشروع قبل أن يحين عيد ميلاد مانديلا التسعين والذي يصادف غدا (الجمعة) الثامن عشر من شهر يوليو/ تموز الجاري.
كما لا ننسى أيضا جهود وزارتي الخارجية والعدل الأميركيتين في ذلك لكي يتمكن الرجل العجوز من دخول الأراضي الأميركية «المقدسة». فألف مبارك للأخ والرفيق مانديلا على ما أنعم عليه الرئيس جورج بوش وإدارته من نعمة الخلاص من «زبيبة» الإرهاب.
قليل من الحياء كفيل بأن يُنهي هذا النزق الأميركي الممزوج بكثير من الإهانة لشعوب العالم وبالتحديد لشعوب القارة السمراء. فدواعي إبقاء الرجل على لائحة الأشخاص الأكثر إرهابا وهو يخطو نحو عامه التسعين تكاد تكون سياسة سمجة لميجة، وابتذالا هابطا. بل الأكثر من ذلك حين يتم تجريم وتقديم التاريخ المانديلي بهذا الشكل السافر.
أن يُفصل مواطن من جامعته بتهمة الاشتراك في إضراب طلابي، ثم يعتقل في أغسطس/ آب 1962 ويُودع السجن حتى فبراير/ شباط 1990 (سبعة وعشرون عاما وستة أشهر!) ثم يُوضع على قائمة الأشخاص الأكثر إرهابا في العالم؛ فهذا يعني أن الميزان الطبيعي للأفهام قد انتُهِك بلا حياء.
لا أدري كيف لأحد أن يُفسّر لي ذلك السلوك الأميركي! بل لا أدري من ذا الذي بات مقتنعا بالمرجعيات الدولية التي آلت جلّها (أو كلّها) نحو الإناء الأميركي الأُجَاج، حتى ضُيّع حظ الاهتداء إلى الخيط الأبيض من الخيط الأسود في قضايا الدول والشعوب.
فحين يكون الساسة أعداء للكيان الصهيوني يصبحون متمردين خارجين على القانون وإرهابيين، لكنهم وحين يساكنونه السَّلَم يُصبحون أشخاصا أسوياء وأدعياء سلام ويُعطَون جوائز نوبل!.
إذا فالموازين أصبحت مُجترّة إلى مباضع القوة والسياسة والمصالح وليست للقيم. وهو ما يعني ببساطة أن هذه القيم قد تمّ تنميطها بشكل فوقي من خلال حفر ملامحها خارج إطار منظومتها الطبيعية.
إن إشكالية العلاقات الإنسانية اليوم تدور حول أمرين هامّين. الأول يتعلّق بخطورة إدمان العالم الأضعف لخطاب العالم الأقوى بكل ما فيه من طبائع الغَلَبَة الإمبريالية، وبالتالي انحسار الثقة في الذات وفي مقومات النهوض والتعويض.
وهو أمر لا يُمكن احتسابه ضمن الهوس من الآخر بقدر ما هو إدراك لحقيقة ما يريده الآخر مني. وهو بالمناسبة همٌّ كَتَبَ عنه غربيون هَالَهُم ما رأوه من فُحش الاستئساد ضد ضعفاء العالم كهربرت شيللر وستيفن مايلز.
والثاني يتعلّق بحتميّة الفرز في قضايا السياسة والسلوك. فعلى مستوى منطق الأشياء، فإن وجود الأسوأ لا يعني القبول بالسيئ، لأن البديل الأنجع هو ضرورة مقاومة الاثنين معا لصالح التغيير والإصلاح.
لكنه وفي الوقت نفسه يجب التنبّه إلى أن هذا الأسوأ قد يكون بمنزلة السيئ (بل والأسلم في أحيان معينة) إذا ما عُرِضَت علينا مشروعات بديلة لا نكون فيها طرفا يستطيع التحكم في مساحة الخيارين والمفاضلة بينهما، وبالتالي صيرورة تلك المشروعات البديلة أسوء بجميع المقاييس، لتصبح المسئولية أمامنا هي درء الأسوأ بالسيئ وبقاء جذوة التغيير ضدهما قائمة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ