العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ

كان ذلك...

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

في أحد البرامج الاحتفالية الخاصة بتكريم المتفوقين والمتفوقات لإحدى القرى، تم التنسيق مع بعض الناشطات سواء في المجالات التربوية أو الاجتماعية بغرض التواجد في الحفل لتكريم بناتهن وأخواتهن المتفوقات. كان لافتا للنظر أن الكفاءات التربوية الموجودة بغرض التكريم من خارج المنطقة نفسها اللهم إلا ما ندر، وكان حريا بالمنظمين أن يعملوا على الاستفادة من الكفاءات الموجودة في المنطقة وخصوصا المعلمات، وإعطائهن دورا فاعلا في المجتمع ودورا أكبر تفعيليا لتشجيع التفوق والنجاح.

الغريب في الأمر أن هناك بعض الأخوات القريبات جدا من المنظمات ذكرن أن ذلك قد حصل بالفعل؛ فقد كان هناك تحرك قوي وفعال بغرض تفعيل أدوار المعلمات الموجدوات في المنطقة وإعطائهن هذا الدور، ولكن ما حدث بخلاف التوقعات بالنسبة إلى المنظمات، ولكنه يتفق في المجمل العام مع ثقافة المعلم، ونظرته إلى نفسه وتقديره لذاته، فقد حدث أن غالبية معلمات القرية رفضن التواجد بهدف التكريم بل إن بعضهن تواجدن في الحفل كضيوف شرف فقط من دون أن يكون لهن دور فاعل أو مرسوم من قبل اللجنة المنظمة، في حين أن أدبياتهن تشير إلى أنهن يشجعن التفوق والنجاح في المدارس.

هكذا هو المعلم أعطى لنفسه صورة أن يعيش دائما ضمن الهامش وأن تكون أدواره في الغالب ثانوية بل أحيانا لا يكون موجودا على الخريطة، هذا على الأقل مرصود ضمن الملاحظات العابرة، فهناك تمثيل بسيط بل محدود في مؤسسات المجتمع المدني وهناك ابتعاد عن جمعيتهم التي تأسست من أجلهم ولأجلهم، وحتى نشاطاتهم داخل مدراسهم تكون بالقوة وبالكاد تسد رمق الإدارة، باستثناء البعض طبعا لأنه لو خليت لخربت؛ فهناك البعض الذي يمتلك طاقات وقدرات وثقة عالية بالنفس ورغبة جامحة في الإنجاز ودافعية عالية في تحقيق الأهداف والتميز، ولكن تبقى الأعداد بسيطة ومحدودة مقارنة بالأعداد التي تسعى إلى تهميش نفسها بنفسها معلقة أسباب ذلك للغير حتى ترتاح نفسيا من حمل عناء ذلك.

كان حفل تكريم المتفوقات مناسبة للتحدث مجددا عن ثقافة المدرس وأبعاد نظرته إلى نفسه، فإذا كان المعلم - وللأسف الشديد - لا يقدِّر أدواره ولا يعترف بمهنته ويحقر من نفسه ولا يقدر الوضع الذي هو عليه اليوم، فكيف له أصلا أن يطلب ذلك من الغير؟ وكيف له أن يشعر بالاستياء والانزعاج لكونه غير مقدَّر لا من قبل بعض الأهالي ولا من قبل بعض الإداريين الذين يعملون معه في المدرسة نفسها أو في القطاع نفسها أو أن المجتمع أيضا قد يغالي في سوئه للتقدير فيظلم من جديد المعلم ويلغيه من قائمة الوظائف المقدرة.

أظن أن الخطوة الأولى دائما يجب أن تبدأ من الأنا وبالتالي إذا كنت أنا أحب مهنتي وأقدرها، فسأشعر بالفخر والاعتزاز لكوني معلمة وصاحبة رسالة سامية أتقلد منصبا يؤهلني لتعليم وتربية الأجيال، وأمتلك ضميرا حيا لتأدية رسالتي بكل أمانة أرفع رأسي وبكل فخر لكوني حققت ما أصبو إليه، وشكرت ربي على ما منحني من نِعم، ولكن الذي يحصل في الميدان التربوي - وللأسف، وهذا طبعا يأتي نتيجة أسباب كثيرة وترسبات مختلفة لا يمكن حصرها اليوم عبر هذا المقال - يؤدي بدوره إلى مجموعة من النتائج السلبية التي ربما يكون أبرزها تملل المعلم من قيامه بدوره وواجبه وشعوره بالتثاقل من مسئولياته.

والموضوع يحتاج منا إلى وقفات لتحليل الأسباب والمبررات ودراستها ومعرفة أبعادها والعمل على تذليل ما يمكننا تذليله من عقبات وصعوبات، ولكن السكوت على الأمور الصغيرة يعني اتساعها وبالتالي صعوبة لملمتها من جديد، فقد تتحول إلى سرطان قاتل لا يرحم أحدا، ونحن نتكلم عن حقل حساس جدا بكل أبعاده، واحيانا نتكلم عن مراحل أكثر حساسية من غيرها.

ليس من المنطق أن أختار بإرادتي شيئا وبعدها أعلق أخطائي على الغير، المعلم هو من اختار مهنته، والمفترض أن يكون محبا لها لا لغيرها من المهن، فإذا كان الاختيار غير صحيح فعليه أن يعمل من جديد على تطوير إمكاناته وقدراته ليكون مناسبا لأي مهنة أخرى. وأما أن يفترض أن تنزل عليه مائدة من المناصب الإدارية أو القيادية فقط لكونه اكتشف حديثا أنه غير قادر على التدريس أكثر مما مضى ومن دون أن يكون له ضلع في ذلك فهو مخطئ وعليه أن يعيد قراءة أوراقه من جديد.

يؤسفني أن أقول ذلك، ولكنني وجدت نفسي مضطرة لأن أبين ذلك للذين غير واضح الأمر بالنسبة إليهم، يعيشون فقط على التمني فالأهداف لا تتحق من خلال الأمنيات فقط، بل من خلال العمل وتحقيق الإنجازات، وإن الإحباط وقلة الثقة بالنفس، والمشاعر السلبية قد تكون قاتلة لكل الخطط والبرامج التطويرية والتي من خلالها قد نحقق نتائج إيجابية ملموسة.

من جديد، على أصحاب الطموحات أن يعملوا أكثر من غيرهم لتحقيق طموحاتهم المستقبلية وأهمس في أذن المعلم من جديد وخصوصا أننا على أعتاب عام دراسي جديد، عليك اياه المعلم أن تقنع بما لديك من نعم وأن تحب مهنتك وأن تقدرها حتى يحبها غيرك ويقدرها فالكره أحد الأمراض المعدية والحب أيضا... وسنكون في نعمة نحسد عليها إذا شعرنا بالرضا وأحببنا ما كنا نصبو للحصول عليه وهناك قوائم لعاطلين جامعيين يتمنون لو أنهم وظفوا في التدريس.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً