لخّص الشاعر الأردني غريس سماوي الواقع الثقافي العربي بقوله إن «العرب مازالوا ينظرون إلى الثقافة بنظرة رومانسية» وهو بذلك كان يقصد أن الجماهير العربية كما المسئولين عن قطاعات الثقافة، كما المنتجين للأعمال الثقافية، لم يطوروا رؤيتهم لهذا القطاع ولايزالون يعتبرونه قطاعا فاقدا للمقصد الربحي، ويرون أنه لا يجوز أن ينحدر إلى هذا المستوى الذي يفقده رقيَّه وسموّه، لكنهم في الوقت ذاته لا يجرؤون على تقديم الدعم الكامل له.
قطاع الثقافة، وبسبب هذه النظرة، لم يتمكن من التطور، بل على العكس تماما، هو في تراجع مستمر، والأغرب من كل ذلك أن المثقفين أنفسهم هم المسئولون عن هذا التراجع.
يحتاج القطاع الثقافي في البلدان العربية جميعا على حدّ سواء ومن دون استثناء، إلى أن يستوعبوا نوعية جديدة من الثقافة، أن يعترفوا ويقروا بضرورة الاستثمار في القطاع الثقافي، ذلك أن تنصيب القطاع في مرتبة علوية مقدّسة، لن يؤدي به إلا إلى مستوى هزيل من الإنتاج، وهي النتيجة ذاتها التي يعلن الكثير من المثقفين توجّسهم منها في كل مرة يطرح فيها موضوع «الاستثمار في القطاع الثقافي».
من الضروري الإقرار بأن القطاع لم يرمِ بكل أوراقه، وهو على رغم كل المعوقات والإشكالات التي يعاني منها لايزال يستميت في الدفاع عن حقه في البقاء، ولكن مع ذلك لابدّ من النّظر بعيدا، لابد من تحديد برامج تنموية لهذا القطاع على غرار بقية القطاعات.
في عالم، أضحت لغة الاقتصاد هي اللغة العالمية الأولى، يجدر بكل الأطراف الناشطة في قطاع الثقافة أن تتقن هذه اللغة وتطوّعها للغة التي يتكلم بها العالم كله، حتى تضمن بقاءها وبقاءهم، ذلك أنه لا مكان في عالم العولمة لهذه النظرة الرومانسية التي يترفع فيها المثقفون عن الانخراط في منظومة شملت كل المجالات من دون استثناء.
ولئن كانت بعض مكونات القطاع الثقافي قدّمت مثالا سيّئا، عندما ولجتها رؤوس الأموال، فإن ذلك لا يعتبر تبريرا مقنعا، ذلك أنه حتى تلك النماذج التي تصنف على أنها نتائج فاشلة ورديئة، لها على الأقل شرف أنها أكثر النماذج عملا وإنتاجا.
العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ