من يتحدث نيابة عن المسلمين الأوروبيين؟ هذا سؤال ملحٌّ عندما يتعلق الأمر بصانعي السياسة في أوروبا. حتى قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001، كانت لهم اهتمامات. بعد تفجيرات 7 يوليو/ تموز في لندن أصبح إيجاد إجابة على هذا السؤال أمرا إلزاميا ضروريا.
قبل هجمات 11 سبتمبر، كنت قد قررت تخطيط الجاليات المسلمة في أوروبا. كنت كأكاديمي مهتم بأسلوب تنظيمهم. ما وجدته هو أنه على رغم أن الكنائس المسيحية في أوروبا لها إلى حد كبير هيئة واحدة تمثلها، فإن المسلمين ليس لهم ذلك.
ولكن هل يهم من يمثل المسلمين؟ يفضل العديد من المسيحيين في نهاية المطاف ألا تمثلهم كنائسهم. الإجابة البسيطة هي أنها تمثلهم. عندما قرر تنظيم القاعدة مهاجمة الولايات المتحدة، باسم الإسلام بحسب ما هو مفترض (ولكن الأدق هو باسم احباطاتهم وأيديولوجيتهم الكافرة)، أدركت الأمم الأوروبية ضرورة التشارك مع جالياتها المسلمة. وجرى تقدير ذلك بعمق، إذ عنى ذلك أن باستطاعة الحكومة إرسال رسالة إيجابية إلى التيار الرئيسي في المجتمع مفاده أن المسلمين لا يشكلون جميعا تهديدا للحضارة الغربية.
لسوء الحظ، لم تكن العملية بهذه البساطة التي تصورها البعض. ليست الجاليات المسلمة منظمة بشكل محدد من حيث التمثيل في معظم أجزاء أوروبا. هناك استثناءات واضحة: الجالية الإسلامية الرسمية في النمسا مؤسسة معترف بها تمثل جميع المسلمين في النمسا من خلال قانون خاص. إلا أن تاريخ تأسيس تلك الهيئة جاء قبل التوترات السياسية التي ظهرت في السنوات الأخيرة. وقد تشكلت في سبعينيات القرن الماضي، قبيل الثورة الإيرانية، والنمو الهائل لسكان المهاجرين والعلاقات الغربية المسلمة التي ازدادت سوءا و «الحرب على الإرهاب». تشكلت معظم مجموعات التأثير التابعة للجاليات المسلمة بعد ذلك التاريخ، ولم تبدأ الهيئات التمثيلية، بشكل خاص، بالتشكُّل حتى العقدين الماضيين. لذلك عندما أرادت الحكومات الأوروبية الوصول إلى جالياتها المسلمة كانت هناك محاولات غريبة بشكل خاص من حيث «تعميم» تلك الجاليات قبل التعامل معها.
خذ إيطاليا على سبيل المثال. أكبر هيئة مندمجة (حتى فترة وجيزة على الأقل) هي منظمة Unione delle Comunita ed Organizzazioni Islamiche in Italia وهي منظمة عقائدية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر. عندما قرر وزير الداخلية الإيطالي جمع مجلس استشاري مشكل من ممثلين مسلمين، قام بضمهم.
إلا أنه ونتيجة لمعارضتها ذات الصوت العالي للسياسة الخارجية الغربية، أوضحت روما أنها لا تحتاج بالضرورة إلى أن تتعامل مع هذه المنظمة بعد الآن. بدلا من ذلك قامت الدولة بدعم جاليات أخرى في إيطاليا لتنظم نفسها على شكل هيئة تمثيلية، تأمل أن تكون وجه الإسلام في إيطاليا. فإذا أخذنا في الاعتبار أن أحد الأعضاء الأصليين في المجلس كان ألبانيا ملحدا، يمكن للمرء أن يفترض أن الدولة الإيطالية تواجه عملا يجب إنجازه قبل المشاركة بشكل انتقائي مع الجاليات المسلمة.
وفي ألمانيا يجري التفكير بخيار آخر مختلف جدا: بدلا من مجلس واحد، قامت الدولة بتأسيس «مؤتمر الإسلام»، إذ يشترك المسلمون على اختلافهم مع غير المسلمين في حوارات وورشات عمل بشأن قضايا تخص المسلمين في ألمانيا. وهي أيضا تواجه مشكلة عميقة من حيث إنه من غير الواضح كذلك من الذي يجري تمثيله في المؤتمر. في المؤتمر الأخير بدا واضحا أن هناك الكثير من الوفود التي انتقدت الإسلام بشدة ونشاط بدلا من الحديث نيابة عنه. والأغرب من ذلك كله أنه لم تكن هناك نساء يلبسن الحجاب. من يتكلم نيابة عنهم إذا؟
تملك بلجيكا، نظريا، أكثر النماذج نجاحا: انتخابات مباشرة ونظام كوتا لضمان ألا تسيطر مجموعة عرقية واحدة على مجموعة المسلمين. لسوء الحظ أصبح التجمع غير عامل على ما يظهر بعد أن أوقفت اتهامات بالفساد معظم عمل المجموعة.
وهذا يأتي بي إلى حالة مثيرة للانتباه في المملكة المتحدة. لم يكن لبريطانيا نية في إيجاد جمعية عمومية تمثيلية مثل البلجيكيين، وكانت قد عبرت منذ فترة طويلة نقطة إدخال نوع من «المؤتمر الإسلامي» على الطريقة الألمانية. وعلى الأرجح كانت الجاليات الإسلامية القائمة ستتوقف وتتراجع عند هذه الفكرة.
إلا أن النموذج الإيطالي مستساغ إلى درجة بعيدة لدى الكثير في دوائر السياسة البريطانية، في الوقت الراهن... التعامل مع أناس يتفقون معا؟ نعم، رجاء، والأفضل من ذلك، أناس يهاجمون هؤلاء الناس الذين لا يتفقون معنا. يا لها من صفقة كاملة. إلا أنها ليست كذلك. هناك نحو مليوني مسلم في بريطانيا اليوم، عاش الكثيرون منهم هناك لأكثر من ثلاثة أجيال. وهم ليسوا على وشك قبول محاولة صفيقة كهذه في الهندسة الاجتماعية. يتوجب على صانعي السياسة البريطانيين القبول (والكثير منهم يقبلونها) بأن الانخراط يتطلب الاعتراف بأمرين: أولا، أنه أحيانا ليس الناس الذين يتوجب علينا محادثتهم أناس لطيفي المعشر. وثانيا، أنه يجب عليهم ألا يفترضوا أبدا أنهم يتكلمون مع ممثلي الجماهير على اتساعها، التي يريدون الوصول إليها.
ليست هنالك طرق قصيرة في هذا النوع من العمل. على عكس ذلك، يبدو من الواضح أنه لا يوجد «وجه» واحد للإسلام في أية دولة أوروبية، وإنما لوحة فسيفسائية من «الوجوه». وهذا يجعل من عمل الحكومة من حيث المشاركة صعبة جدا. ولكن في نهاية المطاف، أليست وظيفة الحكومة حل المشكلات الصعبة؟
*مدير مجموعة (Visionary) الاستشارية وزميل بجامعة ورويك وعضو في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ