العدد 2140 - الثلثاء 15 يوليو 2008م الموافق 11 رجب 1429هـ

الحارس القضائي والمنظمات الحقوقية

دروس هولندا للعرب (3)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

فرز المجتمع الهولندي مؤسسات رسمية وأهلية هدفها الرقابة على الدولة لئلا تتسلط على المجتمع والرقابة على الشركات لئلا تستغل المجتمع. ورغم وجود برلمان قوي ونقابات عمالية، وجهاز قضائي مستقل فعلا، فقد ظهرت الحاجة إلى مؤسسات جديدة تعمل كحارس للحريات ومصالح الجمهور.

من أهم هذه المؤسسات ما يعرف بالحارس القضائي (Om buds man).

وقد أتيحت لنا الفرصة لزيارة مقر الحارس القضائي لولاية روتردام والاجتماع مع الحارس القضائي فان كيرزين وطاقمه القضائي والإداري. وعلى حد قول الباحثة في المقر سيما ماتيس، فإن السويد هي الرائدة في تطبيق فكرة الحارس القضائي وهناك 12 حارسا قضائيا للولايات الاثني عشر يستند نظام الحارس القضائي إلى مباشرة القانون الإداري. وبموجب هذا القانون يكون لكل ولاية جهاز الحارس القضائي ويرأسهم الحارس القضائي، ويضم قضاة ومحققين وإداريين يتم تمويل ميزانيتهم من ميزانية الولاية، ويتمتعون بالاستقلالية الكاملة عن السلطات المركزية والمحلية. ويمكن لكل مقيم في هولندا مواطنا أو مهاجرا أو مقيمان سواء أكان ضحية أو شاهدا، التقدم بشكوى إلى الحارس القضائي وهناك خط ساخن على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتلقي الشكاوى. وعلى حد قولهم فإن اختصاصنا يشمل أي شكوى حتى يثبت العكس. أما الصلاحيات فهي واسعة. فباستثناء اختصاصات النيابة العامة في القضايا المدنية والجنائية والتجارية فإن صلاحيات الحارس القضائي تشمل التحقيق في جميع الانتهاكات مثل التمييز والمحاباة والاضطهاد والفساد وعدم النزاهة واستخدام النفوذ والتشهير وغيره سواء في جهاز الدولة أو الشركات أو المؤسسات أو الأحزاب أو المنظمات الأهلية. ويحق للحارس القضائي استجواب أي شخص والاطلاع على أية وثائق حتى ما يعتبر سريا من قبل أصحابها.

ومن خصوصية ميناء روتردام أنه مركز أعصاب تجارة هولندا، ولذلك فكل دقيقة لها كلفتها الغالية خصوصا بالنسبة للسفن، ولذلك يعمد الحارس القضائي إلى البت بسرعة في المنازعات، ثم ترك المجال أمام التظلم لاحقا.

ورغم أن الحارس القضائي، ليس له صلاحيات الحاكم أي إصدار الأحكام وتنفيذها، إلا أن قراراته شبه ملزمة للأطراف المتنازعة، اذ إن البديل هو اللجوء إلى المحاكم وتوكيل المحامين وهو مكلف ويستغرق وقتا طويلا.

وفي ضوء التجربة، وبسبب تعرض المتضررين أو الشهود للانتقام لاحقا، فقد اعتمد الحارس القضائي نظام توكيل محامين محترفين يتم دفع أتعابهم من الميزانية العامة، للدفاع عن ما يعرف بـ «قارعي الأجراس»، أي المبلغين عن الفساد والانتهاكات وبحسب قولهم فقد تلقى الحارس القضائي في روتردام ما يزيد عن ألف شكوى.

وفي رده عما يتوجب عمله إذا لم يستجب وزير أو مسئول كبير أو رجل أعمال أو شركة كبيرة لقرار الحارس القضائي، رد بالقول في هذه الحالة نلجأ إلى الصحافة والرأي العام ولهما تأثير كبير في بلادنا، ثم انه يمكن إحالة القضية إلى القضاء.

يقوم الحارس القضائي بإعداد ونشر تقرير سنوي عن مجمل أعماله والقضايا التي عالجها ونتائج التحقيق في كل قضية. وهذه إحدى الوسائل لتوعية الجمهور عن حقوقه وردع المنتهكين ومستغلي النفوذ.

يلخص الحارس القضائي دواعي عملهم بالقول: «انه حتى في أفضل الديمقراطيات التمثيلية (البرلمانية) فإن هناك فجوة بين الشعب وممثليهم في البرلمان وما بين الجمهور وقياداتهم السياسية، وما بين الدولة والشعب، ومهمتنا هي تجسير الفجوة ضمن ما يعرف بالضبط والتوازن (check and balance)».

المحامون المتطوعون

من المعروف في أوروبا أن توكيل محام مكلف جدا ولذلك فإن كثيرا من أصحاب الحقوق يخسرون قضاياهم بسبب عدم كفاءة محاميهم. في المجتمع الهولندي حيث التضامن الاجتماعي قوي جدا برزت أحد تجليات هذا التضامن في إنشاء رابطة المحامين المتطوعين. وقد كان لنا لقاء مع المحامي هايين فوجل دير والذي شرح لنا مهام ودور المحامين المتطوعين. بموجب القانون الهولندي فإن أي فرد يقل دخله عن 25 ألف يورو سنويا أو أي عائلة يقل دخلها عن 33 ألف يورو سنويا يحق لها الحصول على خدمات محاماة مدفوعة من قبل الدولة بنسبة 60 في المئة. المحامون المتطوعون يقبلون عادة بالحصول على أتعاب هي دون المستوى (200 يورو/ الساعة) إيمانا منهم برسالة المحاماة.

ويندرج من بين المستحقين لهذه الخدمة المهاجرون واللاجئون أيضا، كما تقوم جمعيات تطوعية بتمويل توكيل محامين عن المهاجرين واللاجئين أيضا. تضم رابطة المحامين المتطوعين 450 عضوا وتعالج ما يقارب ثلث القضايا الفردية أمام المحاكم، وهي بذلك تتحمل أعباء كبيرة.

أما الدور الثاني للرابطة فهي مراقبة ممارسات المحامين في ضوء أخلاق المهنة والتزاماتها، اذ إن المحامين مثل غيرهم عرضة للفساد وتأثيرات المال والشركات الكبرى والمصالح والنفوذ.

أما المهمة الثالثة فهي أن الرابطة تلعب دورا كبيرا في القضايا الحقوقية الكبرى مثل العنصرية والتمييز وحرية الرأي وحقوق الأقليات والمهاجرين واللاجئين سواء بالتوكل عن الجمعيات التي تمثل هذه المجموعات المتضررة، أو تبني هذه القضايا من تلقاء نفسها، كما تسعى للتأثير على الأحزاب والبرلمان والحكومة لتبني تشريعات وقوانين تحقق قيم العدالة والمساواة.

رابطة الحقوقيين الهولنديين

هذه إحدى المنظمات النخبوية التي تلعب دورا هاما في تعزيز وترقية حقوق الإنسان وهي عضو في الهيئة الدولية للحقوقيين. الهيئة مشكلة من نخبة من الحقوقيين ونشطاء حقوق الإنسان وتضم نوعين من الأعضاء الممارسين وعددهم 80 تقريبا والمناصرين وعددهم ما يقارب 1600 عضو. وللرابطة مجلس إداري قد يصل عدده إلى 15 عضوا، ومجلس خبراء وطاقم تنفيذي.

تعتبر الرابطة منظمة حقوقية تطوعية تضم أساتذة حقوق ومحامين وباحثين، وهي مفتوحة للهولنديين والمقيمين. وفي اجتماعنا مع وفد الرابطة في جامعة لندن، فقد كانت رئيسة الفرع في ليون بريطانية الجنسية.

تهتم الرابطة بحقوق الإنسان في هولندا مواطنا أم مهاجرا أم مقيما، وتعمل على مختلف الصعد. فهي تصدر مجلة بحوث فصلية، وتعد التقارير البديلة للبرلمان الهولندي والبرلمان الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وغيره من الأجهزة، وتعمل للتأثير على الأحزاب والبرلمان والحكومة فيما يخص التشريعات والأجهزة والسياسات ذات العلاقة بحقوق الإنسان. وتعتبر الصحافة إحدى وسائلها في التأثير.

أطلعنا خلال اجتماعنا معهم على التقرير الموازي المقدم إلى اجتماع المراجعة الدورية الشاملة لهولندا أمام مجلس حقوق الإنسان خلال ذات الفترة التي نظر فيها تقرير مملكة البحرين.

ومن أهم اهتمامات الرابطة:

1 - الانعكاسات السلبية لقانون وإجراءات مكافحة الإرهاب والتي لحقت بشكل خاص بالهولنديين والمهاجرين والمقيمين المسلمين.

2 - المشاكل المرتبطة بالهجرة واللجوء، وخصوصا حرمان البعض من اللجوء بدعاوى مختلفة والانعكاسات السلبية على عائلاتهم المرافقة، في حالة إبعادهم عن البلاد.

3 - حرية الدين والمعتقد في ظل موجة العداء ضد الإسلام والمسلمين.

ومن الإشكاليات التي تواجهها هولندا هو أن حرية التعبير ذهبت بعيدا في بعض الأحيان بحيث لم تكن متلازمة مع المسئولية وانتهاكات معتقدات الآخرين ومشاعرهم كما حدث في حالة فيلم «فتنة» للمخرج فان جوخ. وبحسب قولهم فإن مقاضاة مثل هؤلاء لن تؤدي إلى أي نتيجة، لأن المحاكم الهولندية تقتدي بأحكام محكمة العدل الأوروبية في ستراسبورج والتي تعتبر قضية حرية التعبير حقا لا يناقش.

هذا بالرغم من أن القانون رقم 137 يجرم التشهير وإشاعة الكراهية والعنصرية.ومن مشاريع الرابطة قيامها بإجراء استفتاء يحاط بالسرية والكتمان في أوساط السجناء حول أوضاع السجناء والمعاملة التي يلقونها ومدى اتساقها مع حقوق السجناء وحقوق الإنسان، وقد أثمرت هذه الاستفتاءات والتوصيات الصادرة عن الرابطة في تحسين أوضاع السجناء.

مجلس الدولة

يعتبر مجلس الدولة أعلى محكمة في البلاد. ورغم أن الأعضاء معينين من قضاة تختارهم الحكومة بتوصية من الأعضاء الأقدم في المجلس، فإن المجلس مستقل في قراراته.

ينظر المجلس في القرارات الإدارية التي تتخذها الدولة، والطعن فيها سواء من قبل الأشخاص أو الهيئات المتضررة، لكن يحدث أحيانا أن يقع المجلس تمت تأثير قرارات الحكومة التي تتحجج أحيانا بمتطلبات الأمن القومي. وهناك حالة نموذجية على ذلك في العام 2005، حيث قرر وزير الداخلية إبعاد ثلاثة أئمة بينهم سويدي وجزائري ومغربي، بسبب أطروحاتهم المتطرفة ودعم ما يعتبر إرهابا. ولقد حكمت المحكمة الجنائية الكبرى، بعدم شرعية إبعادهم استنادا إلى أنهم يمارسون حرية التعبير وانسجاما مع قرارات محكمة العدل الأوروبية.

لكن مجلس الدولة أيّد إبعادهم وهو ما تمّ، لكن سمح للسويدي بالعودة كونه أوروبيا لا يجوز إبعاده بحسب قانون الاتحاد الأوروبي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2140 - الثلثاء 15 يوليو 2008م الموافق 11 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً