بينما يراوح القلق من إمكانية قيام «إسرائيل» أو الولايات المتحدة بتوجيه ضربة ضد إيران مكانه بإصرار، يجب أخذ النتائج الواقعية لحدث كهذا بعين الاعتبار. فقد توفر ضربة أميركية عسكرية، بدلا من أن تجعل العالم أكثر أمنا، لإيران حوافز أكبر للإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في أنحاء المنطقة.
يمكن لعملية تفاوضية مبنية على المبادئ، وتوجّه يرتكز على المصالح لحل المشاكل أن يوفرا بديلا للدبلوماسية القسرية للمساعدة على حل حالة الجمود القائمة.
سوف تعطي ضربة عسكرية أميركية الرئيس محمود أحمدي نجاد الذريعة للتحرك ضد الإصلاحيين الإيرانيين ومجموعات المجتمع الوطني التي تنتقد النظام، فيُسكِت كلا من الأصوات الرافضة وتلك المناصرة للمشاركة.
تظهر استطلاعات الرأي العام الإيرانية أن الشعب الإيراني سوف يتكاتف وراء رئيسه إذا هوجم، الأمر الذي سيؤدي ببعض قادة المجتمع المدني لأن يحذّروا من أن أية ضربة خارجية سوف ترجع محاولاتهم الإصلاحية عقودا عديدة إلى الوراء.
يمكن حتى لضربات على شكل وخزات جراحية ضد مرافق إيران النووية أن تطلق عنان ردة فعل عنيفة ضخمة ضد مصالح الولايات المتحدة ومواطنيها في المنطقة.
سوف يكون شبه مستحيل تقريبا السيطرة على تعرّض مصالح الولايات المتحدة لقوى إقليمية لا يمكن توقعها، غير متناسقة، مساندة لإيران. وقد قدّر البعض أن الطرح المتنامي بين الولايات المتحدة وإيران وحده هو الذي رفع أسعار النفط بنحو 50 دولارا للبرميل.
كما أنه من غير المحتمل أن تحقق ضربة عسكرية لإيران الهدف الأميركي المعلن بوقف برنامج التخصيب النووي الإيراني. وبينما يتنامى الانتقاد العالمي لسياسات الولايات المتحدة، أكد كبير مفتشي الأمم المتحدة محمد البرادعي مؤخرا أنه ستكون لإيران إذا هوجمت سبب منطقي للانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. سوف يؤدي العمل الأميركي المتهور إذا إلى إيجاد النتيجة نفسها التي تسعى الولايات المتحدة إلى تجنّبها.
مازالت المحادثات المباشرة المفتوحة الشاملة الثنائية مع إيران تَعِد بأفضل مردود لمصالح الولايات المتحدة في الاستقرار الإقليمي وموارد نفطية آمنة وتشجيع للديمقراطية. تمهد المفاوضات المبنية على المبادئ مع إيران الطريق للتعامل مع الأسباب الجذرية للنزاع بين الدولتين، من كلا المنظورين.
بالنسبة للولايات المتحدة ترتبط مصادر النزاع الأساسية مع إيران بمخاوف من قدرات نووية حربية، ودعم إيران للاعبين إقليميين يستخدمون أساليب عنفية لتحقيق أهدافهم. كما تشكل قضايا الاستقرار الإقليمي وحقوق الإنسان مصادر قلق إضافية.
وتشمل مصادر القلق بالنسبة لإيران الحاجة لتطوير موارد طاقة آمنة ويمكن الاعتماد عليها واعترافا عالميا وإقليميا، إضافة إلى احترام الحقوق السيادية وأمن النظام والاستقرار الإقليمي وتحيز أميركي منظور تجاه «إسرائيل». يمكن لتطوير أساليب لإدراك هذه المصالح والاعتراف بها أن يمهد الطريق لنجاحات دبلوماسية إضافية أكثر قيمة وأهمية تدعم مصالح الولايات المتحدة.
يمكن لمفاوضات مبنية على المبادئ مع إيران أن تساعد الولايات المتحدة على تشجيع الاستقرار في العراق وأفغانستان ولبنان من خلال إبراز أرضية مشتركة حول القضايا الأمنية المشتركة. فلدى إيران مصلحة بعيدة الأمد في وجود جيران يتمتعون بالاستقرار والديمقراطية. وتقترح الدلائل النادرة واليسيرة حول دعم إيراني وتدريب للمجموعات الشيعية العراقية وجود كبح جماح إيراني ذاتي كبير، إذا أخذنا بالاعتبار الحدود المفتوحة تقريبا بطول ألف ميل وصلة القرابة الدينية الوثيقة.
يمكن لإيران، وهي السلطة الإقليمية البراغماتية تاريخيا، أن تلعب دورا بناء في دول في المنطقة توجد فيها للولايات المتحدة مصالح هامة. ولطالما عارضت إيران القاعدة والطالبان ودعمت حكومة كرزاي في أفغانستان، وأخذت زمام القيادة في استئصال زراعة الحشيش بل وحتى توسطت بين الميليشيات الشيعية العراقية، الأمر الذي ساعد في تحقيق بعض نجاحات تحرك القوات الأميركية الأخير. كما أعربت إيران عن استعدادها للتفاوض حول دعمها لحماس وحزب الله.
تطيل الاستراتيجية القائمة بالموافقة فحسب على التفاوض مع شروط مسبقة، حول تلك القضايا التي أعربت إيران عن استعدادها للتفاوض عليها، تطيل أمد اتخاذ المواقف القسرية، الأمر الذي لا يترك سوى دبلوماسية خلفية متقطعة مترددة يمكن إفشالها بسهولة للتعامل مع قضايا ذات أهمية إقليمية كبرى. وقد وصف السناتور أرلين سبكتر هذا التوجه بأنه «27 سنة من الصمت قطعته بضع همسات خافتة»، أدى إلى «الفشل وتركنا في أزمة خطرة نجد اليوم أنفسنا فيها».
هناك حاجة لمزيد من الاستثمار في مشاركة دبلوماسية عامة عبر قنوات خلفية للمواطنين مع إيران لبناء علاقات نحن في أمسّ الحاجة إليها، والثقة والتفاهم عبر الثقافات. تشكل منظمات مثل Search for Common Ground ولجنة المينونايت المركزية والزمالة من أجل التسوية أمثلة جيدة على منظمات تتبادل الوفود بشكل منتظم بين إيران والولايات المتحدة.
يحتاج الأمر لشجاعة سياسية لاستخدام عملية تفاوض ودبلوماسية محترمة ترتكز على المبادئ مع إيران. ولكن المبادرات الدبلوماسية الشجاعة وعدم الانحياز المبني على المبادئ في الأمور السيادية هي تقاليد تفخر بها السياسة الخارجية الأميركية.
إذا لجأت الولايات المتحدة لهجمات عسكرية على إيران فلن تتمكن بالتأكيد من الادعاء بأن هذا السبيل هو «الملاذ الأخير» إلى أن تستنفذ جميع الأساليب الدبلوماسية المحتملة «كملاذ أول».
*تعملان معا مع مبادرة D3 الأمنية التي تشجع منع النزاعات وبناء السلام في سياسة الولايات المتحدة العامة والخارجية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2140 - الثلثاء 15 يوليو 2008م الموافق 11 رجب 1429هـ