يوم غد (الأربعاء) سيفتتح الملك عبدالله بن عبدالعزيز وملك إسبانيا الملك خوان كارلوس أول مؤتمر عالمي لحوار الأديان كان الملك عبدالله قد دعا إليه في فترة سابقة وعملت رابطة العالم الإسلامي في مكة على إعداده ليقام في إسبانيا في أول لقاءاته ومن ثم يتم اختيار مكان دائم لعقده. هذا، إذا تم الاتفاق على عقده سنويا بعد انتهاء لقاءاته وإعداد التوصيات اللازمة.
الملك عبدالله سيلقي كلمة في حفل الافتتاح، ومثله ملك إسبانيا، وأمين عام الرابطة عبدالله التركي.
وأتوقع أن يتحدث الجميع عن أهمية حوار الأديان في التقريب بين الأمم على اختلاف توجهاتها، هذا التقريب الذي يجب أن ينتج عنه اختفاء الصراع بين الثقافات والحضارات وإحلال لقاءات الحضارات بدلا عنه، لأن الصراع لا يولد إلا الدمار والفناء وبعكس اللقاءات التي تولد التفاهم والتقارب والاشتراك في بناء الحضارات التي تخدم العالم كله.
ولعل اختيار إسبانيا لتكون حاضنة لأول لقاء تاريخي يتحدث عن حوار الأديان له مغزى خاص، فإسبانيا عاصرت كل أنواع الديانات وعايشتها لقرون طويلة وخصوصا الديانتين الإسلامية والنصرانية.
ومعروف أن الإسلام دخل إسبانيا لعدة قرون وأنشأ فيها حضارة عظيمة، فكرية وصناعية، وأخلاقية، مازالت آثارها قائمة حتى الآن يراها ويشهد على عظمتها كل من زار إسبانيا.
ومعروف - أيضا - أن المسلمين والنصارى عاشوا جنبا إلى جنب قرونا طويلة واستفاد بعضهم من البعض الآخر، وكان اليهود - وهم قلة - يعيشون معهم مواطنين لهم حقوق المواطنة ووصل بعضهم إلى مناصب عليا في الدولة الإسلامية.
أقول: لعل إسبانيا وقد عاشت بين الديانات السماوية الثلاث قرونا طويلة تكون أكثر من غيرها قدرة على استيعاب أهمية الحوار بين أصحاب الديانات أملا في أن يوجد هذا الحوار أرضية مشتركة يقف عليها الجميع بقوة ومقدرة على تناول جميع قضاياهم بعقلية حضارية متينة توصلهم إلى أهداف يمكنهم العمل جميعا على تحقيقها لتصب أخيرا في خدمتهم جميعا.
سيتحدث في المؤتمر مسلمون ونصارى وأصحاب معتقدات أخرى، وسيتحدث بعض أتباع هذه الديانات في جلستهم الأولى شارحين أهمية الحوار في دياناتهم، وسيكون هذا الحديث مدخلا لتناول أهمية لقاء الحضارات وتواصلها، وكذلك أهمية الأديان في تحقيق السلام بين الأمم، وكذلك في التقليل من الجرائم الكبرى التي انتشرت في أرجاء الأرض وأثرت بصورة مباشرة على حياة الإنسان وعطائه.
وسيتناول البعض الحديث عن علاقة الدين باستقرار الأسرة والمجتمع، ولاسيما أن العنف الأسري طال العالم بأسره، كما طال عالمنا العربي وبلادنا بصورة لافتة للنظر مع أن ديننا الإسلامي يحرم هذا العنف ومثله الأديان الأخرى، ولكن ابتعاد الناس عن أديانهم جعل العنف يفتك بأسرهم ومجتمعاتهم.
ماذا نريد من حوار الأديان؟ وما هي الأهداف التي نتوخاها منه؟ بطبيعة الحال أن يتحول أتباع ديانة معينة إلى دين آخر ليس هدفا على الإطلاق... وأن يصبح الجميع أتباع دين واحد... ليس هدفا ولن يتحقق إطلاقا، بل إن أتباع المذاهب لن يصبحوا أتباع مذهب واحد مع أنهم ينتمون لدين واحد... إذا... ماذا نريد من هذه اللقاءات؟
أعتقد أن الهدف منها أن يوضح أتباع كل دين قواعد وأصول دينهم لأصحاب الديانات الأخرى ليتعرفوا من خلال هذا الإيضاح على حقيقة الأديان من أصحابها وليس مما يسمعونه من أعدائها...
هذا الإيضاح - كما أعتقد - قد يقود إلى تعايش حقيقي بين أتباع الديانات كلها، على طريقة: فليبق كل واحد على معتقده ولكن عليه أن يحترم دين غيره وألا يسيء إليه، وأن يتعايش مع الآخرين لبناء حضارة عالمية تخدم الناس جميعا.
هل معنى هذا أن نقول: إن الإنسان لا يجوز له أن يغيِّر معتقده أو مذهبه أو طريقة حياته؟ لا... بطبيعة الحال، فالمرء - في إطار دينه - له الحق أن يفعل ما يشاء، وأن يعيش كما يشاء.
إذا تحقق هذا من حوار الأديان فأعتقد أن البشرية ستنتقل إلى مرحلة متقدمة في حياتها وفي حضارتها.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2139 - الإثنين 14 يوليو 2008م الموافق 10 رجب 1429هـ