تساهم القاعدة الأميركية في البحرين بملايين الدولارات سنويا في الاقتصاد الوطني. المعروف أن الأسطول الأميركي الخامس يتخذ من البحرين مقرا له. ويعود تاريخ تواجد البحرية الأميركية في البحرين إلى العام 1946 عندما كانت البلاد واقعة تحت الحماية البريطانية. وقد نالت البحرين استقلالها في العام 1971.
الأرقام المشار إليها في المقال مستسقاة من محاضرة ألقاها الأدميرال كيفن كوسغريف في شهر مارس/ آذار الماضي وذلك ضمن فعاليات جمعية رجال الأعمال البحرينية. كان كوسغريف وقتها يعمل قائدا للأسطول الأميركي في البحرين، ذلك المنصب الذي خسره بتاريخ 5 يوليو/ تموز الجاري، ربما بسبب آرائه المعارضة للخيار العسكري في معالجة قضية الملف النووي الإيراني.
150 مليون دولار
حسب الأدميرال تضخ القاعدة الأميركية 150 مليون دولار (نحو 57 مليون دينار) سنويا في الاقتصاد البحريني. ويشكل هذا الرقم نحو واحد ونصف في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين الأمر الذي يكشف الأهمية النسبية للبحرية الأميركية في الاقتصاد البحريني.
تتوزع نفقات البحرية الأميركية على الأمور الآتية: 62 مليون دولار للسكن والمعيشة، و28 مليون دولار للمرافق، و21 مليون دولار للخدمات التجارية، و11 مليون دولار للإقامة في الفنادق والمنتجعات، و11 مليون دولار أخرى للموارد البشرية، و10 ملايين دولار كلفة تشغيلية، و 4 ملايين دولار للمنتجات والخدمات التي تباع في القاعدة إضافة إلى 3 ملايين دولار للصرف على الأنشطة الترويحية والاستجمام.
نفقات أخرى
بيد أنه لا يشمل هذا الرقم ما ينفقه الأفراد المرتبطون بالقاعدة، وعددهم 3 آلاف فرد غالبيتهم من الجنود، في الأسواق والمجمعات والمطاعم والفنادق في البحرين. يعرف عن الأميركيين ميلهم للإنفاق وشراء الهدايا ما يعني أن القيمة الحقيقية تتجاوز 150 مليون دولار.
كما أن المبلغ مرشح للارتفاع بشكل نوعي في حال عودة أفراد أسر البحرية الأميركية إلى البحرين. يشار إلى أن الولايات المتحدة قررت سحب رعايا الجنود والأشخاص غير الضروريين من البحرين في شهر يوليو/ تموز من العام 2004 بسبب التوترات السياسية في المنطقة. وقد سمحت السلطات الأميركية لأفراد أسر البحرية بزيارة البحرين بتأشيرات سياحية لمدة أسبوعين ابتداء من شهر نيسان/ أبريل من العام 2007.
وتعتبر منطقة الجفير (شرق المنامة) إذ يتمركز فيها أفراد البحرية الأميركية من أكثر المناطق الحيوية في البحرين إذ تنتشر فيها الفنادق والمطاعم والمقاهي ومحال المجوهرات والهدايا. كما تعتبر من أكثر الأماكن رقيا في البحرين نظرا لاحتضانها بعض أجمل المباني السكنية من حيث الألوان والهندسة. يفضل الأميركيون العاملون في البحرين عموما السكن في الجفير والمناطق القريبة منها نظرا لقربها من القاعدة البحرية. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش زار القاعدة وتناول وجبة الإفطار مع الجنود أثناء زيارته للبحرين مطلع العام الجاري وهي الأولى لرئيس موجود في سدة الحكم.
معارضة الحرب
بيد أن ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع وفي هذه الفترة بالذات هو التلميحات لاستخدام القوة لحل الملف النووي الإيراني. وفي ضوء هذه التقارير أعلنت إيران بأنها ستعمل على إغلاق مضيف هرمز أمام الملاحة الدولية. المعروف أن 40 في المئة من النفط العالمي يمر عبر مضيق هرمز. كما هددت إيران باستهداف 32 قاعدة أميركية في المنطقة حال تعرضها لهجوم.
أما السبب الآخر للكتابة عن هذا الموضوع فمرده قرار استبدال الأدميرال كوسغريف والذي لم يمض على تعيينه سوى سنة ونصف السنة. اشتهر كوسغريف بآرائه المناوئة لوقوع نزاع عسكري بين لولايات المتحدة وإيران. وقد أعلن في مقابلة تلفزيونية مع قناة (أي بي سي) الأميركية للأخبار أن الحرب مع إيران ستكون مدمرة على المنطقة بأسرها مصرا على عدم وجود خيار سوى الحل الدبلوماسي لأزمة الملف النووي.
وربما تكون آرائه الصريحة قد كلفته منصبه في نهاية المطاف. يشار إلى أن كوسغريف تولى قيادة القوت المركزية الأميركية والأسطول الخامس بتاريخ 27 شباط/ فبراير من العام 2007 خلفا للأدميرال باتريك وولش. وفي خطوة مفاجئة قررت وزارة الدفاع الأميركية استبدال كوسغريف وتسليم القيادة إلى الأدميرال وليام غروتني. وتمت مراسم تبديل القيادة بتاريخ 5 يوليو الجاري أي بعد يوم من ذكرى استقلال الولايات المتحدة. في العادة يستمر قائد البحرية الأميركية لعدة سنوات في منصبه.
رسالة لمن يعنيه الأمر
يتمتع القائد الجديد بخبرة طويلة في مجال الطيران العسكري وساهم في إدارة الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. لم يطرح غروتني حتى الآن رأيه في الطريقة المثلى للتعامل مع الملف النووي الإيراني. لكنه أكد في تصريحات صحافية أن تنصيبه في الوقت الحالي يعكس إصرار الولايات المتحدة على حرية وسلامة الملاحة في المياه الدولية، موضحا في الوقت نفسه أن البحرية الأميركية لا تستهدف النيل من المصالح الإيرانية.
بدورنا نعتقد أن التحدي الحقيقي يكمن في حل موضوع الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية نظرا لفشل الحلول العسكرية في تحقيق السلام. وتبين من تجربتي أفغانستان في العام 2001 والعراق في 2003 أن التدخل العسكري غير قادر على جلب السلام. وقد لمست ذلك شخصيا عندما زرت العراق في شهر فبراير/ شباط الماضي للمشاركة في إحياء مراسم الأربعين. إذ لاحظت أن موضوع الأمن لازال يعد الهاجس الأول للفرد العراقي على رغم مرور 5 سنوات على الغزو. كما وصلت درجات العنف إلى مرحلة خطيرة في أفغانستان حثت تطورات أمنية مؤخرا تضمنت مقتل 9 جنود أميركيين وتفجيرا انتحاريا أمام السفارة الهندية وقتل عشرات المدنيين في غارة أميركية.
نأمل أن يساهم القائد الجديد للبحرية الأميركية في تعزيز فرص السلام في المنطقة وليس العكس. الأمل أن يكون الأدميرال غروتني لا يؤمن بالحل العسكري كما الحال مع سلفه كوسغريف.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2139 - الإثنين 14 يوليو 2008م الموافق 10 رجب 1429هـ