لم تفصل زيارة الشيخ أحمد العصفور الأخيرة لعاهل البلاد والإفراج الفعلي عن المعتقلين الثمانية سوى أيام قليلة، حسمت جدلا استمر أكثر من أربعة أشهر في الشارع البحريني. هذه المبادرة أعادت إلى الشارع حديث الوساطات التي كان يقوم بها الشيخ العصفور نفسه والمرحوم الشيخ سليمان المدني أثناء حوادث التسعينات للإفراج عن معتقلي الانتفاضة، وأثارت من جديد جدلية «الممانعة والمسايرة» وجدوى كل منهما في تحصيل الاستحقاقات الشعبية وحل الأزمات.
الناشط السياسي عبدالوهاب حسين وصف قبل عامين قبول جمعية الوفاق الدخول في الانتخابات النيابية بأنه شبيه تماما بمنهج «المسايرة» الذي كان يتبعه العصفور والمدني في التسعينات وكانت المعارضة ترفضه تماما، فيما أصرت «الوفاق» على أنها تبحث عن الحصول على أكثر المكاسب الحقوقية عبر دخولها العملية السياسية على طريقة «عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة».
نواب خدمات ولكن...
وعلى رغم أن «الوفاق» لم تستطع تحقيق ما كانت تصبو إليه تشريعيا عبر التركيبة البرلمانية (المفبركة) التي شلت حركتها تماما فإنها في المقابل وضعت على نفسها وعلى منتسبيها النواب والبلديين قيودا شديدة تحد من حصولهم على أية مكاسب خدمية تخص المقربين منهم، لدرجة أن أحد نوابها تخرجت ابنته من الجامعة بمعدل عالٍ وحصلت على وظيفة جيدة في إحدى المؤسسات الحكومية تناسب قدراتها (من دون تدخل والدها أصلا) إلا أنه في اللحظة الحاسمة طلب منها رفض الوظيفة رضوخا للضوابط التي فرضتها عليه جمعية الوفاق، وظلت ابنته حبيسة البيت إلى اليوم. وهناك عشرات الأمثلة المشابهة.
هذا النوع من الحزم وإن كان مفيدا إلى حدٍ ما في ضبط نزعة التحرك العام للنواب الوفاقيين بعيدا عن المصالح الشخصية، إلا أنه ترك تذمرا شعبيا وخصوصا لدى جماهير الوفاق (الأكثر حرمانا) التي ترى أن نواب الكتل الأخرى تحولوا إلى نواب خدمات وراحوا يعملون (على ثقيل) من أجل استغلال مسماهم النيابي للحصول على مكاسب ومغانم كثيرة للمقربين منهم والمناطق المحسوبة عليهم، وهو ما كشفته الصحافة في أكثر من مورد وخصوصا في فضيحة «أمانة النواب» و «التربية غيت»، فيما يصر بعض نواب الوفاق على التباطؤ في حلحلة قضايا معيشية واجتماعية كثيرة ومهمة جدا بحجة الالتزام بالجانب التشريعي.
تعدد خيارات المطالبة
لا يُخفي الكثير من الجمهور الوفاقي امتعاضه من تلكؤ النواب الوفاقيين في خلق حلقة وصل قوية بينهم وبين المسئولين خوفا من اتهامهم بالتسلق. حتى تساءل البعض مستغربا: كيف يريدون أن يحققوا مكاسب فعلية بعقلية المواجهة مع المسئولين؟ وهذا في حد ذاته لا ينفي وجود قوى ممانعة رسمية لتعطيل مطالب الوفاق أيضا.
عودة العصفور إلى الواجهة مجددا، وخصوصا مع محاولته قبل يومين إيجاد مخرج توافقي لمشكلة «الأوقاف» الخطيرة والعالقة، تعيد إلى السطح مدى قدرته على حل هذه الأزمة، كما تُجدد الحديث عن مدى الحاجة إلى التلاحم العلمائي من جهة والسياسي من جهة أخرى، فليس المطلوب التنازل عن أساليب التحرك بقدر توافر الخيارات المتعددة لحل القضايا العالقة، فإذا لم تنجح أطراف المسايرة لجأتم إلى أطراف الممانعة، والعكس. والهدف المشترك هو صون حقوق الدين ثم الإنسان ثم الوطن.
الناس بانتظار مبادرة توافق البيت الداخلي أولا... ولو على أيدي النخب الواعية من المقربين للوفاق والعلمائي من جهة وللعصفور من جهة ثانية. عليهم نراهن ولن نيأس أبدا.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2138 - الأحد 13 يوليو 2008م الموافق 09 رجب 1429هـ