تميزت الحياة الدينية الإندونيسية في حقبة ما بعد محمد سوهارتو بظهور الراديكالية الدينية المتطرفة. ويشكل النزاع بين المسلمين والمسيحيين في بوزو في مقاطعة سولاويزي تنغارا ومقاطعة مالوكو مثالا على هذه الظاهرة، مثلما فعلت عمليات التفجير في بالي في عامي 2002 و2005. ويؤكد ظهور المنظمات الراديكالية مثل «جبهة المدافعين عن الإسلام» و «قوات المجاهدين» شبه العسكرية و «مجلس المجاهدين الإندونيسيين» السلطة الجديدة للمحافظين في السياسة الإندونيسية.
قبل عشر سنوات في مايو/ أيار استقال الرئيس الراحل سوهارتو. كان قد قضى فترة 32 سنة رئيسا للدولة، وقد تنحّى نتيجة تظاهرات احتجاج ضخمة من طلبة الجامعات الذين أصابهم الإحباط نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي اكتنفت إندونيسيا منذ السنة التي سبقتها.
أدت استقالة سوهارتو إلى تغيير سياسي، من حكومة سلطوية إلى أخرى ديمقراطية، دون وقوع كمّ يذكر من النزاع السياسي والاجتماعي.
كان لهذا التحول نحو الديمقراطية العديد من الآثار الإيجابية. على سبيل المثال، تجسدت حريات التجمع والتعبير في ظهور أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية جديدة. حتى الصحافة الإندونيسية استفادت من التحول وهي تعتبر حاليا الأكثر استقلالا في جنوب شرق آسيا.
إلا أن الراديكالية الإسلامية اكتسب في الوقت ذاته موطئ قدم قويا بين المسلمين في الدولة، يمكن قياسه من نوعية الكتب التي أصبحت تتمتع بشعبية في إندونيسيا. في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته كان المسلمون الإندونيسيين يقرأون الطروحات الدينية الفلسفية والليبرالية التي كتبها مفكرون متميزون مثل فضل الرحمن الباكستاني وحسن حنفي المصري ومحمد أركون الجزائري. كانت أفكارهم الإنسانية تكمل وتثري الفلسفات الحداثية للمفكرين الإندونيسيين أمثال نوركوليش مجديد وهارون ناسوتيون ومنور سادزالي وأحمد وهيب وغيرهم.
إلا أن هناك طلبا الآن على نصوص إسلامية تتباهى بالراديكالية الدينية. وتوفر دور الكتب ترجمات لنصوص متطرفة بقلم مفكرين شعبيين أمثال عبدالله عزام الفلسطيني. كذلك من بين الكتب والمقالات التي تتمتع بشعبية ما كتبه الإندونيسيون الذين حاربوا في أفغانستان ومعظمهم يشجبون أفكارا ومفاهيمَ مثل الديمقراطية والعلمانية، ويظهرون مواقفَ غير متسامحة تجاه غير المسلمين.
وبينما يبدأ الراديكاليون المسلمون تحقيق الشهرة في الطروحات الدينية كانت هناك نزعة نحو المبادئ الدينية القديمة لإفشال الحريات الدينية باسم الأمن.
ونتيجة لسياسة اللامركزية التي أدخلتها الحكومة المركزية العام 2001 أصدرت الإدارات الإقليمية العديد من القوانين الخلافية التي تعزز ممارسات معينة، بما فيها فرض لبس الحجاب على النساء المسلمات ومنعهن من مغادرة منازلهن ليلا دون مرافق من الأقرباء. عموما، ألهم زعماء مقاطعة أتشي (غرب إندونيسيا) هذه السياسات، حيث تم إعطاء هؤلاء الزعماء السلطة لكي يطبقوا بشكل كامل نسخة صارمة من الشريعة ترتكز على المبادئ الإسلامية تحت قانون حكم ذاتي خاص.
لماذا إذا ازدادت الراديكالية في حقبة الإصلاح الإندونيسية؟ يلقي المراقب السياسي الأسترالي غريغ فيلي باللائمة على أساليب المجابهة التي يستخدمها مفكرون ليبراليون معينون في إدخال الطرح الديني. على سبيل المثال، سمحت لوائح قوانين الفقه التي أدخلها أفراد لهم ارتباطات مع بارامدينا - وهي مؤسسة أنشأها الراحل نوركوليش مجديد - ضمن أمور أخرى بالزواج بين الأديان، وهو أمر بالغ الحساسية في الإسلام. شجبت المجموعات الإسلامية ردا على ذلك تلك المجموعات على أنها تشوّه التعاليم الإسلامية وتشجع الردة عن الإسلام. وتضم العوامل التي ذكرها ناشطون مسلمون راديكاليون لتبرير أساليبهم العنفية الفقر والفساد المستشري في البيروقراطية المحلية والنظام القانوني والحروب في أفغانستان والعراق والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر.
وينظر آخرون إلى الجذور التاريخية لشرح هذا التوجه، بما فيها الحركات الانفصالية مثل «دار الإسلام» في جاوا الغربية و «بيرمستا» في غرب سالاويزي، التي هدفت إلى إيجاد دولة إسلامية في إندونيسيا. بوجود أسباب جذرية معقدة لهذه الدرجة ويسهل سوء فهمها، من الصعوبة بمكان تحديد حلول مباشرة للحد من الراديكالية بين المسلمين. إلا أن خطوات محددة سوف تذهب بعيدا في تحقيق ضمان ألا يكون الجمهور الإندونيسي عرضة للنشاطات الفوضوية التي تتبناها مجموعات راديكالية.
يتوجب على الحكومة الإندونيسية الحالية أن تركز على تطبيق القانون لحماية المواطنين من تداعيات الأعمال العنفية من قبل فصائل غير حكومية، إضافة إلى ذلك يمكن لإشراك المنظمات الإسلامية المحترمة مثل «نهضة العلماء» و «المحمدية» في التوسط النشط في النزاعات أن يساعد على تسوية مصادر القلق الديني بالنسبة للحقوق العامة الأكثر اتساعا وبناء منبر لا عنفي لحل النزاعات ورفض الأسطورة القائلة إن المنظمات الراديكالية العنفية تعمل باسم جميع المسلمين الإندونيسيين.
سوف تذهب هذه التغييرات بعيدا في ضمان امتداد مجالات التقدم في حقبة ما بعد سوهارتو إلى جميع مناحي الحياة خلال العقد المقبل.
* يقيم في جاكرتا ويكتب في الشئون الاجتماعية الدينية، والمقال ينشر بالتعاون مع كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2138 - الأحد 13 يوليو 2008م الموافق 09 رجب 1429هـ