أذاعت الـ «بي بي سي» الجمعة الماضي خبرا عن الحكم بالسجن مدة عام ونصف العام على فنان يمني اسمه فهد القرني، مع غرامة مالية قدرها نصف مليون ريال.
الطريف أن الغرامة وُزِّعت على النحو الآتي: 300 ألف ريال لصالح الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام)، و200 ألف ريال لصالح مكتب الثقافة في محافظة تعز.
في البداية ظننت القرني أحد المتهمين بالإرهاب أو التفجيرات، لكن تبيَّن أنه فنان يمني... وكوميدي تحديدا، فسجلت اسمه على ورقةٍ للبحث لاحقا عن خلفية توضح أسباب هذا الحكم القاسي، والغرامة الثقيلة، مع مصادرة الـ «سيديات» بحسب تعبير صحيفة يمينة، مع طلب التعهد بعدم العودة لمثل تلك الأفعال الكوميدية المشينة التي أدين بسببها!
عند تتبُّع ما نشرته الصحف، تبيَّن أن الحكم كان بتهم التحريض ضد الدولة، والإساءة إلى رئيس الجمهورية، وإثارة عصيان مسلح، وبث الفرقة بين أفراد المجتمع بقصد تكدير السلم العام... كل ذلك من خلال مسرحيةٍ قدَّمها في يناير/ كانون الثاني الماضي.
مما حُسب على القرني من مستمسكات، معارضته للحزب الحاكم ودعوة أعضائه وقيادته إلى الرحيل، وقوله إن «أبناء الجنوب هم الوحدويون الحقيقيون، وهم من أتوا بالوحدة من عدن إلى صنعاء وليس العكس»!
الحكم على قساوته لم يعجب مكتب «الثقافة» في تعز، فطالب باستئنافه من أجل تشديد العقوبة، فالمطلوب أن يُسجن فترة لا تقل عن 7 سنوات. وفي المقابل، استمعت المحكمة إلى هيئة الدفاع المكونة من أكثر من خمسين محاميا جاءوا من مختلف المحافظات للدفاع عن المتهم الكوميدي.
ويبدو أن القضاة من النوع الجاد الذي يكره الكوميديا، وخصوصا إذا كانت تتناول السياسة الحاكمة، ولذلك كانت المحكمة مستعجلة في إصدار الحكم، إذ انعقدت جلستها الساعة السادسة والنصف صباحا، أي قبل الدوام الرسمي بساعة ونصف الساعة، لتريح ضميرها وتستريح!
الناشطون الحقوقيون أدانوا الحكم، واعتبروه حكما سياسيا، وإساءة للقضاء اليمني وللنظام السياسي الذي لم يعد يتسع صدره للنقد، على رغم ألوية الديمقراطية التي ترفرف على رأسه. وذهب بعضهم إلى اعتبار الحكم نتاجا طبيعيا لعدم استقلالية القضاء وارتهانه بيد السلطة التنفيذية، واستخدامه ورقة لقمع الشعب بسبب آرائه السياسية.
أما المتهم الكوميدي، فالغريب أن أول ردة فعل له على قرار المحكمة، قوله إن الحكم قرَّبه من الله ومن الشعب، بقدر ما أبعد عنه النظام الحاكم، وأن ذلك «سيضيف بعدا حقيقيا وقوة إضافية لنضالي السلمي»، على حد قوله.
المحكمة شابتها أيضا حوادث غير سارة، إذ تعرض للاعتداء أحد النواب وبعض الناشطات من منظمة «صحفيات بلا قيود»، بالإضافة إلى اعتقال بعض الصحافيين الذين اعتبروا ذلك تكريسا لثقافة العنف واستخدام أجهزة الأمن لقمع الحريات، فضلا عن تهديده بالقضاء على ما تبقى من الهامش الديمقراطي، وملاحقة الصحافيين والسياسيين والفنانين الذين ترتفع أصواتهم ضد الفساد.
أحدهم وفي تقييمٍ سريعٍ لوضع الديمقراطية اليمنية العريقة قال: «لقد خدعنا جميعا مؤتمر صنعاء للديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية، الذي اعتقدنا ونحن نسمع الحديث عنه أن اليمن طالما صارت تصدِّر الديمقراطية للخارج».
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2137 - السبت 12 يوليو 2008م الموافق 08 رجب 1429هـ