العدد 2136 - الجمعة 11 يوليو 2008م الموافق 07 رجب 1429هـ

ألقوا اللوم على الاحتياطي الفيدرالي

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

الاقتصاد الأميركي هو الآن في خضمّ أزمة مالية تقليدية جلبتها سياسات سيئة بالترافق مع تهاون لا يصدّق في مستوى الضمانات التي تتقاضاها المؤسسات المالية الأميركية. الإخفاق الأكبر كان القرار الذي اتخذه ألان غرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي في ذلك الوقت، بالإبقاء على نسبة الفوائد منخفضة جدا وعلى أمدٍ طويل. وقد أدّى ذلك إلى طوفانٍ تسونامي من الإقراض أغرق الاقتصاد بالمال الرخيص. دائنو الأملاك المرهونة بوجه خاص كانوا «يسبحون» بكميات هائلة من الأموال وكانوا يبحثون عن صفقات حيثما وجدوها. ومن هنا جاء المقترضون غير المؤهلين وأصبحوا «مؤهلين» نتيجة لتخفيض مستويات ضمانات الإقراض من ثم العمل بدونها.

وبتشجيع من البيانات التي كان يصدرها غرينسبان، أصبح اللاعبون في السوق يعتقدون بأن مرحلة نسب الفوائد المنخفضة سوف تستمر إلى ما لا نهاية. بيد أن تلك المرحلة جاءت إلى نهايتها، حيث أن الاحتياطي الفيدرالي وجد نفسه مرغما على البدء برفع نسب فوائد الإقراض. وقد وجد المقترضون بأنه سوف يترتب عليهم دفع نسب أعلى من الفوائد على عقاراتهم المرهونة في المستقبل، فأخذوا يتخلفون عن الدفع. أولا، توقفت أسعار السكن عن الارتفاع، ومن ثم أخذت بالانخفاض-وبشكل قوي في بعض الأسواق الملتهبة. والآن مضى حوالي سبعة أشهر في الدورة الجديدة لمرحلة الفوائد المنخفضة، ومع ذلك فلا يوجد أي أمل في الأفق لنهاية الأزمة المالية الطاحنة.

عاملان اثنان على الأقل ساهما في تشديد الأزمة. أولا، عدة أدوات مالية فريدة خارجة عن المعتاد والتي رُبطت بشكل أو بآخر بأسعار السكن وقيم الضمانات التي أُعطيت الرهونات على أساسها. جاء تسعير تلك الأدوات المالية نتيجة لنماذج اقتصادية معقّدة ولم يكن نتيجة لمعاملات السوق. وحيث أن قيمة المساكن والرهونات انخفضت، فإن أسعار تلك الأدوات المالية أصبحت أقرب إلى المستحيل. وكما تعلّمنا من حوادث سابقة، فإن تلك النماذج التسعيرية فشلت بسبب عدم دقّتها، وهي العنصر الأهم في أوقات الاضطراب المالي. إن عدم القدرة على تحديد سعرٍ لتلك الأدوات المالية قد فاقم من الخسائر التي تكبّدتها الشركات التي في حوزتها تلك الأدوات.

هناك مثل رائع موازٍ نراه في انهيار الاتحاد السوفييتي. وكما أوضح العالم الاقتصادي لودفيغ فون ميزس، قبل نحو 100 عام، فإن التخطيط المركزي لا بد من أن يفشل حتما لانعدام وجود أسعار سوق تُقرر تخصيص الموارد. أسعار السوق لا يمكن إلا أن تكون نتيجة لصفقات سوق فعلية ما بين المشترين والبائعين. المخططون يستخدمون معادلات رياضية لتقييم الموارد، وبالأخص رأس المال. والآن نرى أن فطاحلة الوول ستريت قد استوردوا التفكير السوفييتي في تخصيص رأس المال. فهل نستغرب عندما نرى أن سعيهم قد فشل؟

العامل الثاني الذي ساهم في انهيار أسعار المساكن كان نتيجة لالتزام الحكومة الفيدرالية بتوفير مساكن يستطيع المشترون تحمل أسعارها وقد وُضع الضغط على الدائنين، بترويج بيع المساكن إلى الجماعات ذوي المداخيل المنخفضة والذين لا يكونون مؤهلين لتلقي قروض عادية. تلك السياسة كانت مبنية على أساس الاعتقاد بأن هنالك جماعات من الناس كان بالإمكان أن تملك مساكن لها لولا وجود شكل من أشكال الانحياز الاقتصادي أو فشل في عوامل السوق. هذا الهدف الاجتماعي ورغبة الدائنين في كسب المزيد من الصفقات، اندمجا في رهونات غير كافية في ضماناتها.

لقد تعلمنا درسين من الاندفاع نحو توفير المساكن إلى من كانوا معتبرين غير مؤهلين لحيازتها. أولا، عدد كبير منهم لم يكونوا من المُلاّك لأنهم كانوا عاجزين عن تملك المساكن. وفقط تحت المظلة المؤقتة من الظروف الملتهبة في أسواق الرهن العقاري أصبحوا يبدون وكأنهم يستحقون تملك المساكن. ثانيا، إن الناس اللذين لا يملكون من المساكن شيئا لا يمكن أن يقال عنهم بأنهم مُلاّك. فعندما تُصبح الأمور صعبة، فإنهم ينسحبون. لقد كانوا من الناحية الفعلية مستأجرين ولم يكونوا مُلاّكا.

سوف تنتهي الأزمة عندما يهبط سوق السكن إلى القاع، وعندما تستقر أسعار ضمانات الرهونات. كما يتوجب على البنوك أن يتخلوا عن ارتباطاتهم في الالتزامات المالية الفرعية الغريبة عن الإطار المتبع.

ومن واجب الاحتياطي الفيدرالي أن يفهم بأنه يواجه أزمة رأس مال، وليس أزمة سيولة. إن معدل أسعار الفوائد شديدة الانخفاض على أصول آمنة يدل على أن هنالك سيولة كبيرة في الأسواق المالية. ولا يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يُقدم مزيدا من رأس المال، فهذه هي وظيفة الأسواق وهي تقوم بعمل ذلك.

* مدير سابق لتحليل السياسات في بنك سيتي جروب وهو حاليا كبير الزملاء في معهد كيتو بواشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2136 - الجمعة 11 يوليو 2008م الموافق 07 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً