العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

الانتلجنسيا المراوغة ومعركة المقابر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما نعرفه عن المقابر، أن هناك نوعين: أرض إسلامية عامة (مشاع) مخصّصة لدفن الموتى؛ وأرض موقوفة أوقفها البعض لتأدية هذا الغرض... وهكذا جرت العادة في كل بلاد المسلمين.

ما يجري اليوم في البحرين، ومع هذه الموجة العارمة من الجنون «الاستثماري» في العقار، والتكالب على الدنيا، وصل إلى حد اقتطاع أجزاء من هذه المقابر وتقديمها كمخططات، وأحيانا بيعها بالكامل. والجدول الذي طرحته «الوسط» قبل ثلاثة أيام بخصوص التلاعب بالمقابر، يستدعي طرح أسئلة كثيرة: أين ذلك من القانون؟ أين دور وزارة العدل والشئون الإسلامية؟ أين دور الأوقاف الجعفرية... ونود أن نعرف هل هناك تجاوزاتٌ من هذا القبيل على الأوقاف السنية أم لا؟

لم نسمع أن أيّ جيلٍ من أجيال المسلمين عبر أربعة عشر قرنا، فكّر يوما بأن يستقطع المقابر ويحوّلها إلى مخططات ومشاريع، بدافع الجشع والطمع. ومن سوء حظّنا أن يُذكر هذا الجيل بمثل هذه المثلبة البغيضة التي لم يسبقه بها أحدٌ من العالمين.

هذه الجريمة، فكّر بعض أفراد طبقة «الانتلجنسيا» المتمصلحة الجديدة، أن تلبسها لباسا طائفيا، فسرقة المقابر والتجاوز على حرمة الموتى لابد من تأويلها طائفيا حتى تضمن خروج المتجاوزين من قفص التهمة والمساءلة. وكل من تسوّل له نفسه كشف تفاصيل الجريمة فعليه أن يبوء بإثم المجوس والنصارى والأريسيين. هذا هو منطق المدافعين عن سرّاق المقابر في هذا الزمان... و (عاد خذ) نصائح ومقالات ومحاضرات لا تنتهي عن دولة القانون والسلطة القضائية والمؤسسات... التي لم تفلح في منع متنفذ عن السطو على مقبرة!

مقابر الشمالية المنتهكة ليست هي بداية الحكاية وإنما هي آخر فصولها. ولم تكن الجرأة ستصل إلى المقابر الإسلامية لو لم ينجح المخرّبون في تدمير أكثر مقبرة أثرية في العالم. كلكم درستم في الكتب المدرسية، عن التلال الأثرية التي تحتضن أقدم سكان البحرين في منطقة عالي... ماذا تبقى منها؟ وهل هي قضية سنّة وشيعة حتى تتصدّى بعض الانتلجنسيات المراوغة لمحاربة أي صوت معترض على ما يجري من فسادٍ واستهتارٍ وتدميرٍ للأرض والتاريخ؟

لا تحسبوها مقابر إسلامية ذات قيمة. انزعوا عنها صفتها الدينية وما تعنيه للناس وما تمثله في الوجدان العام. لا تحسبوها وقفا شرعيا يجري انتهاكه بهذه الطريقة الفجة لأول مرةٍ في تاريخ البلاد. لنقل بأن قاعدة شرعية جديدة تبيح لأصحاب المصالح أن يستبيحوها، فـ «الوقف لم يعد لما وقف له»، كما كان يقال في الماضي. احسبوها فقط كأرض عامة محدّدة لإيواء جثث الموتى قبل أن تتحلل في العراء... أليست بهذه الصفة وحدها تستحق الدفاع عنها لحمايتها من جور المتنفذين؟

المقابر ليست مقدّسة وليس لها اعتبار ديني، على الأقل اعتبروها جزءا من التراث الذي ينبغي المحافظة عليه، فبعض هذه المقابر تعود لمئات السنين، وعندما تدخل مقبرة «أبوعنبرة» بالبلاد القديم مثلا، ستدهشك تلك شواهد القبور المنحوتة في القطع الصخرية المستطيلة. هذه الشواهد تفنّن فيها الفنان البحريني القديم الذي لا يعرف تاريخه أحد، ولكن نرى بصماته فيما خطه من آيات وأسماء بأنواع الخطوط: النسخ والثلث والكوفي والكوفي المشجّر.

إنها الانتلجنسيا العمياء... التي لا ترى من مشاهد معركة الحفاظ على تاريخ وتراث البلد والبيئة والخلجان والسواحل... إلاّ الغبار.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً