يقول نيتشة: «الكثافة لا تصنع العُظماء، بل ديمومة الشعور الكبير»، عملية إحصائية سريعة تأخذنا إلى مختلف العناصر المكونة للمشهد الثقافي، إصدارات جديدة، أمسيات ثقافية، شعرية وأدبية، معارض فنية، مسرحيات، أفلام سينمائية، عروض موسيقية... إلخ...
مجرد عملية إحصائية بسيطة لن تؤدي حتما إلا إلى نتيجة واحدة، حال من الاطمئنان، الثقافة بخير والمثقفون ينشطون ويعملون ويبدعون. ولكن الكم لا يعني بالضرورة منتوجا نوعيا عالي القيمة، ولنا في المنتوجات الصينية المقلّدة مثال شديد التعبير.
الإشكال اليوم لم يعد في تنظيم التظاهرات الثقافية، فتوفير الإمكانات المادية يسيرٌ بالمقارنة مع توفير منتوج ثقافي مميز وجدير بالاحترام.
يأخذني الحديث إلى بعض الفعاليات الثقافية التي تتساءل في أحيان كثيرة عن سبب برمجتها، أو الجمهور الذي تستهدفه مثل هذه الفعاليات، لما تفتقده من قدرة على تشكيل هوية خاصة بها وعجزها عن تقديم أفكار واضحة.
الظاهرة يعزوها البعض إلى المشرفين على القطاع الثقافي الذين ينشغلون بالهدف الربحي أحيانا، وبمصالح تتجاوز البعد الثقافي في أحيان أخرى، ليصنعوا كثافة في عدد الفعاليات لا تغني المتلهفين على المنتوج الثقافي والتائقين إليه من جوعهم إلى مثل هكذا أنشطة.
من اللافت أن الكثير من المثقفين، ممن يتوسَّم فيهم الجمهور الخير فينتظر منهم منتوجا مميزا، يخيبون آماله، ذلك أنهم ما إن ينصبوا على رأس إدارة أو مصلحة ثقافية، ويشرفوا عن قرب على القطاع الثقافي وبرمجة فعالياته، حتى يقعوا في المطب ذاته، فتنتهي علاقتهم بالثقافة من جهة كونهم منتجين ومبدعين، ليبدأوا علاقة جديدة على أنهم مسئولون، وهنا بالذات مكمن الداء، إذ إنه عند هذه النقطة بالذات يعلن موت الثقافة والمثقف، لتولد نوعية ثانية من العلاقات لا تؤمن إلا بقانون المصلحة المشتركة، فلا يبقى إلا «الشعور الكبير» لدى أناس يعتقدون أنهم صاروا «عظماء».
العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ