خلال أربعة أيام من الأسبوع الثاني من شهر يوليو/ تموز 2007، أنهت قمتان أعمالهما، الأولى كانت قمة مجموعة الثمانية الكبار التي تضم الدول السبع الصناعية الكبار وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة، وكندا بالإضافة إلى روسيا، التي انضمت الى قمة العام 1998 في بريطانيا. والأخرى كانت للدول الإسلامية النامية التي تضم، بنغلاديش ومصر واندونيسيا وايران وماليزيا ونيجيريا وباكستان وتركيا.
ولو تمعنا في عناوين جدول أعمال القمتين المستقلتين عن بعضهما بعضا، فسوف نكتشف أنهما شبه متطابقتين، وهذا أمر طبيعي، وينبغي أن يكون متوقعا لكون كلتيهما تعنيان بشئون ذات طابع عالمي - استراتيجي. الخلاف إذا كان حول منهج مقاربة تلك المشكلات، أو المدخل للتعرف على أسبابها ومن ثم أساليب وضع الحلول لها، والأهم من ذلك كله، مدى التقيد بقرارات القمة عندما تكون الأمور ذات علاقة بقضايا البلدان النامية.
الخلاف الجوهري الأساسي الذي يميز بين القمتين هو سبب نشأة كل منهما. فبينما ولدت مجموعة الثماني الصناعية الكبار من رحم أزمة النفط والركود الاقتصادي العالمي في أوائل السبعينات، نجد ان مجموعة الدول الإسلامية النامية الثمانية قد تأسست العام 1997 من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء فيها. والخلاف المبدأي الثاني هو سلم الأولويات، فقد تصدرت موضوعات «أوضاع توليد الطاقة النووية في كل من إيران وكوريا» قائمة جدول أعمال الدول الصناعية، ولم تغب هنا البصمات الأميركية التي حرصت على تكثيف جهود القمة على هذه المسألة، لكسب دولها في صفها اولا، وللتغطية على أكماتها في الدول التي تورطت في حروب فيها مثل أفغانستان والعراق من جهة ثانية.
عنصر الخلاف الثالث هو المدخل لمعالجة أزمة الغذاء، العالمي التي زادت من معاناة الدول الفقيرة، فقد وجدنا الدول الصناعية الكبرى تحاول التملص من إلتزاماتها السابقة، وتقلص من أية معونات جديدة تحاول أن تقدمها للبلدان النامية. فقبل ثلاث سنوات وخلال قمتها في اسكتلندا وافقت مجموعة الثماني على تعزيز المساعدات للدول النامية بواقع 50 مليار دولار سنويا حتى العام 2010، وأكدت ان نصف هذا المبلغ - على الاقل - يتعين ان يذهب الى افريقيا. لكن الجهة المسئولة بقيادة امين عام الامم المتحدة السابق كوفي أنان والتي تتولى متابعة عملية الوفاء بالتعهدات، اقرت أن 40 مليار دولار من المساعدات الموعودة لافريقيا لم تصل اليها بعد. هذا السلوك ليس مستغربا من الدول الصناعية التي مازال الجوع بعيدا عن حدودها، أن تكتفي بتشكيل فريق عمل لمكافحة أزمة الغذاء العالمية.
مقابل ذلك، وجدنا قمة الدول النامية تعتبر أزمة الغذاء، أو بالأحرى الجوع مشكلة داخلية مصيرية، حيث يلاقي أكثر من مئة الف انسان في العالم، نسبة عالية منهم في دول العالم النامي، حتفهم بسبب الجوع، او بسبب آثاره المباشرة. وكما ورد في تقرير (الفاو) عامي (2000 - 2001)، فإن هناك، اليوم، ما يربو على 826 مليون انسان يعانون من سوء التغذية، وفي إفريقيا وحدها تجمع التقارير العالمية على أن هناك طفلا/ طفلة يلفظ أنفاسه في كل سبع ثوان في أكثر من (18) بلدا افريقيا.
وهذا ما دفع قمة الدول الاسلامية الى دعوة الدول الغنية منها إلى «الاستثمار في قطاع انتاج الغذاء بدول العالم الثالث لمعالجة أزمة الغذاء العالمي». وعلى مستوى إنتاج الوقود الحيوي، قالت ماليزيا وإندونيسيا وهما أكبر دولتين منتجتين لزيت النخيل على مستوى العالم إنهما ترغبان في إنهاء تحويل الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي.
ولربما حان الوقت كي تدرك الدول الصناعية الكبرى أن ألسنة نيران أزمات الدول النامية قد تصل إلى حدودها إن لم تبادر بالجلوس معها على طاولة مفاوضات ليس من أجل الدفاع عن مصالح الدول المتقدمة، بقدر البحث عن حلول للمشكلات الإنسانية. ولعل انضمام قادة 15 دولة أخرى من بينها ثماني دول افريقية إلى جانب الصين والهند والبرازيل، إلى قمة الدول الصناعية هذا العام مؤشر إيجابي يدفعنا نحو التفاؤل، إن سلمت النوايا.
العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ