العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ

خدمات إعلامية للتأجير!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نشرت «الوسط» الأربعاء الماضي وثيقتين لاستلام اثنين من المحرّرين في الصحف المحلية أجورا شهرية من الهيئة العامّة للتأمين الاجتماعي (الهيئة العامّة لصندوق التقاعد سابقا)، نظير «خدماتهما الإعلامية»!

أصارحكم... الآنَ فقط استوعبت كلام منظمة «مراسلون بلا حدود» في يونيو/حزيران الماضي، حين حذّرت من وجود صحافيين بالبحرين يتلقون الرشى (عيني عينك)!

طبعا كنت أعرف كغيري من الزملاء، أنّ هناك قسما من العاملين في الجسم الصحافي، يعتاشون على الهدايا والهبات والرشى. وهناك روايات متواترة جدا، عن تلقي بعضهم أراضٍي، وتلقي بعضهم سيّارات آخر موديل، (طبعا هؤلاء مريشين كلش)، ومع ذلك هناك مَنْ هو أرخص من قطط المطابخ هؤلاء... إذ يمكن شراؤه بوجبةِ عشاء، أو بسهرةٍ في فندق ثلاث نجوم!

مع ذلك، لم أكن أتوقّع أنْ تصل الروائح إلى خياشيم منظمة «مراسلين بلا حدود» بهذه السرعة، فلم يمض على زيارة وفدها للبحرين 24 ساعة، حتى شمّت الرائحة. وقبل أنْ يغادر سكرتيرها العام روبير مينار المنامة، عقد مؤتمرا قال فيه: «لقد تناهت إلى أسماعنا معلومات عن وجود صحافيين يتلقون هدايا ورشى من بعض الجهات، ونحن نعتبر أنّ على الجسم الصحافي أن يكون متصدّيا لهؤلاء؛ لأنّ هذه الممارسات لا تستقيم مع مهنة الصحافة».

حينها، لم يتصدّ أحدٌ من الصحافيين لهؤلاء، فنحن في مجتمع صغير، من أعرافه «الستر أحسن»! ولكن بعد نشر الوثيقتين، يحق لنا التساؤل: إلى أيّ مدى وصل الفساد؟ وكم من المؤسسات الحكومية والخاصة، اعتادت على تقديم الرشى بحجّة الخدمات الإعلامية كما فعلت هيئة التأمينات!

العارفون ببواطن الأمور، يعلمون أنه خلال العقدين الأخيرين ترعرعت جماعةٌ في الجسم الصحافي، تسترزق على نشر أخبار المؤسسات والوزارات في صحفها وتكتب أعمدة، مقابل مكافآت ومبالغ نقدية (كاش)، أو هدايا (عينية)، وفي أضعف الإيمان (كلش كلش) تذاكر سفر أو سهرات فندقية!

العرف الصحافي والأخلاق المهنية ترفض تلقي أية عطايا أو هدايا أو مكافآت، من أية جهة، وتحت أيّ مسمّى كان، هذا إذا أردنا الحفاظ على شرف المهنة وعذريتها، وعدم تحويلها إلى مومس تبيع جسدها على أقرب سرير، لكلّ من يدفع الثمن.

طبعا المؤسسات الصحافية المعنية، تعلم تماما بالقضية، وهي تغمض العين، وتتغابى عن الموضوع، وهو ما شجّع على نمو هذه الطبقة الطفيلية بين الصحافيين. واليوم لم يعد لائقا استمرار التغابي عن الموضوع، بعد تحوّله إلى مصدر تشويه لسمعة الصحافة البحرينية على مستوى المؤسسات الدولية.

هناك مطالباتٌ جادةٌ للمؤسسات الصحافية بمحاسبة المتورّطين، بشأن ذمتهم المالية، وفي الوقت نفسه العمل على تحصين جبهتها الداخلية عبر تحسين مستوى الأجور، كيلا يعيش الصحافيون برواتب «قوت من لا يموت»، وهي خطوةٌ لابدّ منها على سبيل الوقاية، تماما كما يحدث في الأعمال التي تحتاج إلى درجةٍ عاليةٍ من النزاهة والاستقلالية كالقضاء. ومع ذلك ستظل هناك طحالب لا يملأ عيونها إلاّ التراب.

المسألة لا ترتبط بإيجار الآراء والمقالات، بل أصبحت نوعا من الاستغلال والابتزاز، حتى على مستوى نشر الخبر والصورة. أحد الصحافيين في جريدة عربية مشهورة، كان ينشر أخبار رئيس جمهورية عربي، مقابل «البخشيش»، وعندما يُلومه زملاؤه يردّ بوقاحة: «ومَنْ هو هذا الزلمة، جاي من المخابرات ويحكم بلده من ثلاثين سنة، شو قيمة أخباره هذا الحقير؟ ليش ما ناخذ منه مصاري للعيال؟»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً