العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

العالم وقد جعلته العولمة مسطحا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كان جهاز التلفزيون عند دخولي غرفة الجلوس التقليدية في بيتنا بمدينة بعلبك في ريف لبنان، يصدح بأعلى صوته. كانت أسرتي مجتمعة تشاهد بتركيز شديد. نظرت إلى الجهاز لأرى إيا لونغوريا تمثل في مسلسل «الزوجات اليائسات» الحائز على جائزة إيمي، وهو «أوبرا صابون» يبث في وقت الذروة بأميركا.

لم تغادر أبدا أسرتي التقليدية مدينة بعلبك، الواقعة شمال شرق بيروت. بعلبك تقليدية جدا في قِيَمها وتفتخر باحتوائها على آثار معبد من الحقبة الرومانية.

من جهة أخرى، بيروت هي المدينة الحديثة التي تجتذب آلاف السياح للسباب كافة التي لا تجتذبهم بسببها بعلبك. تفتخر بيروت بحياتها الليلية ومآكلها الطيبة الفاخرة وشواطئها.

لم أزر بعلبك منذ سنوات كثيرة، وآخر مرة كنت هناك اتبعت الروتين التقليدي القديم نفسه: السلام على أفراد الأسرة الذين ما فتئ عددهم يزداد، وبحث السياسة الوطنية، والجلوس حول الطاولة الفاخرة لتناول الطعام، ثم وداع الأهل والعودة إلى البيت.

كنا أحيانا نزور مزرعتنا ونخوض تجربة الحياة في القرى الصغيرة، ولكنني دهشت هذه المرة لرؤية كم تطورت بعلبك... حتى الرحلة إلى هناك كانت مثيرة للاهتمام، إذ كانت المطاعم العالمية مترامية على طرفي الطريق.

بدأت أفكر، هل كان توماس فريدمان على حق؟ هل هذا العالم آخذ بالتسطح بسرعة هائلة؟ ألقيت نظرة أخرى على وجه إيا لونغوريا، ومعرفة عائلتي الواسعة بها، وحصلت على جواب لتساؤلي: لم تقم إيا نفسها بجعل العالم مسطحا، بل هو بالأحرى أسلوب الحياة الذي يروج له هذا المسلسل أو غيره، وكيف أدخلناه في حياتنا اليومية.

يعتقد الكثيرون أنه لن يكون هناك أبدا جسر يربط الغرب بالشرق، ولكنني لا أوافق معهم.

استذكر زميلا وقف في نموذج لقمة تعقد في الأمم المتحدة قائلا: «مرحبا، أنا من الشرق الأوسط. نحن لا نركب الجمال أو ننام في الخيام». بالنسبة لنا نحن سكان الشرق الأوسط كانت تلك ملاحظة مسلية، إلا أنها تركت الكثير من الذين لا يعرفون الكثير عن الشرق الأوسط غير مصدقين.

هذه العبارة صحيحة في لبنان والمملكة العربية السعودية حيث أقمت لمدة أربعة عشر سنة. فالناس هنا وهناك يقودون أحدث السيارات الأوروبية ويأكلون «الهامبرغر» في مطاعم ذات نمط غربي، ويعيشون في المدن في شقق يشعر فيها الناس في جميع أنحاء العالم بالراحة. وكما هو الحال في معظم مناطق العالم، تستطيع في لبنان عادة أن تجد طلاب جامعاتنا يرتدون «الجينز» وحذاء «أديداس» وقميص «بولو». لذلك، فالفرق الوحيد الحقيقي يكمن في آراء الناس، وعلى رغم ذلك هناك أوجه تشابه.

يبدو أن العولمة قد أخذت مأخذها مع الانتقال إلى القرن الحادي والعشرين. ويتكلم فريدمان عن كون العالم مبسطا من منظور الأعمال التجارية، حيث يعني الحصول على حاجتك من الخارج أن تتصل عبر رقم مجاني يبدأ بـ800 في الولايات المتحدة فيجيبك شخص في الهند. ويعطي فريدمان الفضل للبرمجيات التي ينتج عنها التعاون العالمي، والحصول على ما تحتاجه من الخارج، أو من أماكن أخرى خارج منطقتك وبالطبع، وجود الإنترنت لجعل العالم يفقد شكله الكروي.

إلا أن فجر العولمة أتى كذلك بالتغيير الاجتماعي، وأرغب بأن أضيف إلى قائمة فريدمان الإعلام العالمي الذي يحكم حياتنا ويصقل آراءنا.

ينبهر العالم اليوم بالأخبار نفسها. هل حلقت بريتني سبيرز شعر رأسها؟ هل عادت إيمي واينهاوس إلى علاج الإدمان؟ زلزال ضرب الصين؟ تعصف الأخبار نفسها عبر العالم كما فعل الطاعون في يوم من الأيام.

يستطيع صديق عمره 18 سنة اليوم أن يتصل من أركنسا بابنة عمي البالغة من العمر 20 سنة في بعلبك للتباحث في جمال الفائز بلقب معبود أميركا، ديفيد كوك، ثم يقومان بمراجعة صوره على غوغل معا.

يتشارك الشباب حول العالم أحيانا، نتيجة للعولمة، بأذواق واهتمامات معينة على رغم أننا نأتي من خلفيات متباينة ونقيم على بعد آلاف الأميال من بعضنا بعضا. يجري بناء هذا الأساس المشترك، الذي يقلل من الفجوة التي تفصلنا، بشكل متواصل بطيء. وتشكل معرفتنا بأي درجة للانطلاق، ولكن الطريق طويل. مازال هناك الكثير من الحقد وسوء الفهم بين الثقافات، تحتاج إلى أن تذوب بسرعة قبل أن ينفجر نزاع أكثر عنفا. وعلى رغم ذلك مازال البعض يرى مزايا تبسيط العولمة للعالم من منظور سلبي، خوفا من أن نصبح جميعا خلال خمسين سنة أو أقل نسخا كربونية عن بعضنا البعض ونكون قد فقدنا إحساسنا بالتقاليد.

أنزع لأن أخاف من قدوم مصير الزيروكس المنسوخ، لأن الثقافات التي كنا نفخر بالانتماء إليها آخذة في التلاشي. وعلى رغم أن مثل هذا السيناريو متطرف إلا أن هناك مؤشرات على قدومه. تحتاج على سبيل المثال إلى أن تبحث في الأسواق عن لباس لبناني تقليدي، بينما تستطيع أن تجد بنطلون «الجينز» في كل مكان وفي كل زاوية.

تساعد العولمة من نواحٍ عدة على تفسير الفروقات، فتسمح للناس بالاستفادة من أفضل ما يقدمه العالمان، ووضع حد للصور النمطية السلبية الموجودة حاليا بين الشرق والغرب.

* خريجة الصحافة من الجامعة اللبنانية الأميركية سنة 2008، والمقال ينشر في إطار برنامج وجهات نظر الشباب بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً