العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

التقشف يلغي «بيانالي السينما العربية» ويستبدله بعروض أفلام

بدون ضجيج أو صخب أو التفاتة من احد، وبداعي التقشف، اختفى من خريطة المهرجانات المكرسة للسينما العربية في أوروبا والعالم بيانالي السينما العربية الذي كان ينظم في معهد العالم العربي في باريس وكان رائدا بين المهرجانات التي تكرم السينما العربية وتعرف بها خارج الوطن العربي.

وعلى ما أعلن المنظمون فإن أسبابا مالية تقف وراء إلغاء هذا المهرجان الذي كان يقام، كما يعني اسمه، كل سنتين منذ انطلاقته العام 1992.

وعلى مدى السنوات الـ 16 الماضية رصد هذا المهرجان تطورا وتعددا وتنوعا ليس السينما العربية فحسب وإنما السينمات العربية جمعاء، على درب رصدها للمجتمعات والهوية العربية في كل بلد عربي، ولكن أيضا من خلال سينما العرب المهاجرين إلى أوروبا. وكان هذا المهرجان أول من التفت إلى هذه السينما المتنقلة بين عالمين.

وحمل بيانالي السينما العربية إلى معهد العالم العربي في باريس أبرز الأسماء التي لمعت في فضاء الفن السابع العربي من المشرق والمغرب، في فترة ازدهرت فيها سينمات أخرى غير السينما المصرية وشهدت المجتمعات العربية تحولات عميقة حاولت السينما تتبعها ورصدها.

كما ترافقت ولادة البيانالي مع صعود سينمات المغرب العربي وتطورها إلى درجة تفوقت فيها على السينما المصرية وخاصة في الحضور على الساحات الدولية والمهرجانات العالمية. وقد كانت التونسية مفيدة التلاتلي إحدى الفائزات بالجائزة الكبرى لمعهد العالم العربي العام 1996 عن فيلمها «صمت القصور» الذي كرسها مخرجة متميزة منذ العمل الأول.

ونجح بيانالي السينما العربية في باريس في أن تكون له شخصيته الفريدة والمتميزة وفي أن يكون منبرا تطل من خلاله السينما العربية على الغرب من قلب عاصمة النور، ولو استمر هذا المهرجان لكان سيكرس أكثر هذا الحضور الصعب للفن العربي في الأوساط الغربية، وخاصة مع التحولات السياسية التي يشهدها العالم راهنا.

وترك إلغاء هذا المهرجان، بعد أن قررت الإدارة الجديدة في معهد العالم العربي الذي يرأسه دومينيك بوديس وضع حد لأنشطته، مرارة في نفوس الكثير من السينمائيين العرب الذين أحبوه وأقبلوا عليه بأعمالهم. وأصرت إدارة المعهد، الذي يواجه أزمة مالية مستمرة، على إلغاء المهرجان على اعتبار أنه مكلف وأنه لا يعود على المعهد بالمال الذي يصرف عليه.

ويتماشى هذا القرار مع التوجه الفرنسي العام السائد لدى السلطات والذي يسعى لأن تكون الثقافة سلعة مربحة مثلها مثل غيرها من السلع الاستهلاكية، وإلا فلا مبرر لوجودها.

ويدخل القرار في إطار سياسة فرنسية راهنة بدأت منذ وصول اليمين الفرنسي الحاكم إلى السلطة في فرنسا قبل أكثر من عام، حيث عمل على تخفيض الموازنة المكرسة للثقافة وحجب المال عن كثير من القطاعات الثقافية كالمسرح والسينما في إطار إعادة هيكلة القطاعات الثقافية عموما ومراجعة السياسات الثقافية المتبعة سابقا.

وانعكست هذه السياسة سلبا على الكثير من التظاهرات الثقافية التي خففت الموازنات المكرسة لها ما اضر بالفرق المسرحية والمهرجانات الصغيرة إذ حرمها من جزء من موازنتها. ومن شأن ذلك أن يؤثر على طبيعة النتاج الثقافي الفرنسي ويرجع فرنسا، التي طالما اعتزت في الماضي بتمايزها الثقافي وتفردها في دعم الثقافة، إلى رتبة اقل شأنا في لائحة الدول التي تستثمر في الجهد الثقافي عبر العالم.

ومن شأن خطوة إلغاء المهرجان ولا شك، كما يرى الكثير من المهتمين الذين تابعوا دورات مهرجان السينما العربية في باريس، ان تضر بفكرة حوار الثقافات التي تمسك بها الرئيس السابق فرانسوا ميتران الذي تأسس المعهد برغبة منه في عهده في 1980 ومن ثم تمسك بها خليفته جاك شيراك. كما ان فكرة التعريف بالثقافة العربية في باريس تفقد دعامة من دعائمها بخسارتها للمهرجان الذي يقدم الصورة العربية، في وقت يعتبر فيه فن الصورة فنا سائدا ومتقدما على غيره من الفنون.

وباختفاء بيانالي السينما العربية تختفي مساحة تواجد للمبدع السينمائي العربي في باريس من خلال منبر عربي وفي أجواء مهرجانية احتفالية. لكن البلدان العربية التي قصرت في دعم المعهد ماليا على مدى السنوات الماضية ووفق ما تنص عليه اتفاقية تأسيسه تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية.

وفي غياب المهرجان الذي كان يقام في مثل هذه الأيام كل عامين، يقتصر النشاط السينمائي لمعهد العالم العربي حاليا على احياء أنشطة سينمائية وعرض أفلام وتظاهرات سينمائية. ويقدم المعهد حاليا تظاهرة «ليالي كرفان للسينما العربية الأوروبية في باريس» التي تنظم بين 1 و13 يوليو/ تموز في باريس وهي تظاهرة ستنتقل إلى مرسيليا وسبع مدن فرنسية أخرى.

ويتضمن البرنامج عرض 13 فيلما عربيا بالنسخة الأصلية المترجمة إلى الفرنسية من مختلف الدول العربية، ويفترض ان تعرض هذه الأفلام في الهواء الطلق في باحة معهد العالم العربي في الساعة العاشرة من كل يوم مع حلول الظلام، الا ان طقس باريس الممطر هذا الصيف على نحو شبه مستمر يعطل فكرة عروض الهواء الطلق.

و «كارافان السينما العربية - الأوروبية» برنامج ممول بدعم من الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج اوروميد السمعي - البصري. وكان شهر مارس/ آذار شهد اول فعاليات هذا البرنامج لعام 2008. وسيشهد شهر سبتمبر/ ايلول ما بين 7 و12 منه «كارافان الفيلم الوثائقي العربي-الاوروبي» في باريس الذي يقدم مجموعة من الافلام الوثائقية العربية الطويلة والقصيرة بحضور عدد من مخرجيها.

اما التظاهرة الحالية فقدمت افلام «التلفزة جاية» للتونسي منصف ذويب و «احمر وابيض وبير» للجزائري محمد زموري و «السيمفونية المغربية» للمغربي كمال كمال و «البلد رقم واحد» للجزائري رابح عامر زعيميش و «عمارة يعقوبيان» للمصري مروان حامد.

كما قدمت فيلم «سكر بنات» للبنانية نادين لبكي كما تقدم فيلم التونسي ناصر خمير «بابا عزيز» وفيلم «خراطيش فرنسية» للجزائري مهدي شارف. وفيلم «قص ولزق» للمصرية هالة خليل ثم فيلم «خارج التغطية» للسوري عبداللطيف عبدالحميد يتبعه فيلم «بالوما بيكاسو» للجزائري نادر مكناش وفيلم المصري محمد مصطفى «اوقات فراغ».

وتختتم العروض بفيلم التونسي نوري بوزيد «آخر فيلم» الذي يتناول قضية البحث عن الهوية لدى شاب تونسي ممزق بين الحداثة وبين مصيدة الاسلام المتطرف الذي يدفع به الى الارهاب.

العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً