تابعنا في الصحف المحلية صباح أمس، الرسالة التي وجهها إمام وخطيب جامع قلالي الشيخ صلاح الجودر، إلى رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري، معتذرا فيها عن عدم استطاعته نشر خطبته الأخيرة، وذلك استجابة منه لإدارة الأوقاف السنية، التي وجّهت له طلب الابتعاد عن الموضوعات والقضايا التي يطرحها من على منبر رسول الله (ص).
للأسف الشديد هذا التخبّط والإجحاف من قبل إدارة الأوقاف السنية، يدعو إلى النظر مرة أخرى في مرئيات الشيخ الجودر، ويشجع الناس لقراءة مقالات سابقة وخطب فائتة تخص مشاعر الشيخ وأفكاره اتجاه الوحدة الوطنية.
الوحدة الوطنية أصبحت أقرب إلى الحلم في ظل قوانين تعسّفية، ومسئولين جدد لا يعلمون من أمر القيادة والحنكة السياسية شيئا، فالشيخ الجودر لم يدع إلى القيام على القيادة ولم يكن يوما من المنافقين أو المزوّرين، بل كان ومازال بحرينيا وطنيا يحب وطنه بإخلاص.
وما خطبه أو مقالاته إلا انعكاس لما يعيشه المجتمع البحريني بشتى طوائفه وطبقاته، ويكفينا مثالا ما نلاحظه في كثير من مؤسسات الدولة وما نلمسه من قبل بعض الموظفين والمسئولين الذين يشجّعون الطائفية - على صعيد الطائفتين -.
باعتقادنا أن نشر خطب الجمعة يشكل رادعا قويا ومصدرا فعالا للتغذية الرجعية (feed back)، لسد الإفرازات والشوائب القبيحة داخل مؤسساتنا الحكومية والخاصة، فمثل خطب الشيخ الجودر والقطان والعصفور وغيرهم تزرع الطمأنينة والثقة والتجانس بيننا، والناس يحتاجون بين الفينة والأخرى إلى من يذكّرهم بأن تعدد الطوائف لا يعني السعي للقضاء على طائفة دون أخرى، وإنما يوجب التعايش والتقارب في ظل الوحدة الوطنية، كما في دول عربية مجاورة مثل جمهورية مصر العربية.
وما قامت به إدارة الأوقاف السنية - وهي لا تشكر على الأمر الذي أصدرته للشيخ - إلا زيادة فجوة نحاول أن نطويها، وإحداث أزمة، هي والشارع البحريني في غنى عنها؛ إذ إن للشيخ الجودر الكثير من المآثر التي شهدت له منذ أن برز على الساحة البحرينية كإمام ومرشد وصحافي وباحث، وخاصة مشروعه الأخير الذي يحمل في طياته تعزيز المواطنة الصالحة، القائمة على الوحدة الوطنية والتعددية والتعايش السلمي.
لقد سعى صلاح الجودر ونحن معه إلى التقريب بين السنة والشيعة في البحرين، وحارب الطائفية بشتى أنواعها من الجانبين، ودعا إلى الحوار مع الحضارات في أكثر من مناسبة وأكثر من مقال، فكيف لإدارة الأوقاف السنية أن تتجاهل ما قدّمه الشيخ صلاح الجودر لوطنه ولأهله؟
إن هذا الرجل لم يطلب أرضا ولا بيتا، ولم يكن يوما ممن يصطفون للنفاق والكلام الباطل، ولكنه صاحب قلم حر وحنجرة شجاعة لا تهاب في الحق لومة لائم، ولم يطالب الحكومة بموازنة أو معونة الغلاء، وإنما طالب الناس ووجّه الشارع إلى ما هو خير للبحرين وللحكومة على حدٍّ سواء؛ إذ طالب العامة بالوحدة والانصهار ونسيان الماضي من أجل الوطن ورفعته.
لقد بتنا حائرين في أمر المسئولين في بعض الوزارات والإدارات وعلى رأسهم اليوم إدارة الأوقاف السنّية، لمعرفة أوجه الخطأ في قول الحق ودعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في حرية الرأي وتشجيع الوحدة بين أهل البحرين!
وأصبح المرء أسير هذا المسئول وذاك المدير، بل وأصبح من يطلب الخير لبلده من فئة المغضوب عليه لدى بعض الناس، فنحن في دولة الديمقراطية ولا نتنفس الديمقراطية ولو بصورها البسيطة جدا!
كل فرد من أبناء البحرين يطالب بالزواج من الحرية سواء الشخصية أو الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، وهذه الأمور هي التي تعلي الدولة وترفعها بين بقية الأمم، وليس إسكات هذا الخطيب أو إيقاف هذا الصحافي بسبب تخبطات بعض المسئولين الجدد، الذين لم يقرأوا جيدا عن أصول القيادة.
فالقيادة الصحيحة هي إعطاء المجال للآخرين في إطلاق عنان حرية التعبير، وليس مفهومها تقييد الناس واحتكار عقولهم وتقويض حرياتهم باسم حب الوطن، فكلنا نحب هذا الوطن وكلنا نعمل لصالحه وكلنا فداء له، ولو طلب منا أرواحنا فإنها رخيصة له.
وعليه نناشد رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي عودنا بسرعة الاستجابة وتحقيق الآمال وحب الوطن، أن يرد اعتبار الشيخ صلاح الجودر أمام إدارة الأوقاف السنية، للإجحاف الذي لحق به والتقييد الذي فُرض عليه. وإننا نعلم علم اليقين أن على قدر أهل العزم تأتي العزائم
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ