العدد 2206 - الجمعة 19 سبتمبر 2008م الموافق 18 رمضان 1429هـ

مهمات ليفني في الوقت الضائع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا تستطيع أن تفعل وزيرة الخارجية الفائزة بانتخابات حزب «كاديما» في الوقت الضائع؟ هناك مهمات صعبة تواجه زعيمة الحزب تسيبي ليفني على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. ويرجح ألا تنجح في تشكيل قوة متماسكة لمواجهة نمو شعبية المعارضة التي يقودها «الليكود».

محليا هناك فترة زمنية محدودة أمام ليفني تتطلب منها أن تنجح في إعادة توحيد الحزب الذي انقسم إلى نصفين مع غالبية ضئيلة لمصلحتها. وفي حال نجحت في ترتيب البيت الداخلي في «كاديما» فإن الوقت يضغط عليها لإعادة تشكيل حكومة ائتلافية تجمع التعارضات تحت قبة واحدة. حتى لو نجحت في بناء وحدة وزارية فإن الكنيست (البرلمان) يتأهب للضغط عليها لدفعها نحو حائط مسدود يضعها أمام خيار وحيد لنجاتها من الغرق. والخيار هو اضطرارها للقبول بإجراء انتخابات مبكرة ترجح الاستطلاعات فوز «الليكود» بغالبية نسبية فيها.

خيارات ليفني الداخلية محدودة وكلها تضغط عليها في وقت ضائع. فالمرحلة انتقالية وهي تتطلب من حزب يشغل 20 مقعدا من أصل 120 في الكنيست أن ينجح في تشكيل حكومة ائتلافية تعتمد على حزبين حليفين لنجاحها. وهذا المعطى ليس مستقرا لكونه يستند إلى قوتين برلمانيتين متأرجحتين وتتنافسان على كسب مقاعد في فترة تبدو عائمة وليست مريحة في استحقاقاتها الإقليمية والدولية.

ليفني بحاجة إلى غطاء داخلي حتى تستكمل مشوارها السياسي الذي بدأت به بعد خروجها من ظل المخابرات (الموساد) ودخولها إلى المسرح بتغطية ودعم من ارييل شارون الذي يقبع منذ سنتين في غرفة العناية الفائقة. وحاجة ليفني إلى حزبي «العمل» و«شاس» يفرض عليها تقديم تنازلات قاسية لا تضمن لها النجاح في الوزارة في مرحلة انتقالية يشهد فيها العالم متغيرات دولية سواء على مستوى عودة روسيا إلى لعب دورها التقليدي في مجالها الجغرافي الحيوي أو على مستوى اضطراب أسواق المال في الولايات المتحدة في ظرف تستعد فيه أميركا لاجراء انتخابات قد تقلب صورتها وتعدل الكثير من خطابها التقليدي والمتعارف عليه منذ خمسينات القرن الماضي.

هل تنجح ليفني في تشكيل حكومة ائتلافية توزع الحقائب على الحلفاء لكي تضمن غالبية نسبية في الكنيست أم تفشل في مهمتها؟ لا خيار أمام ليفني سوى النجاح لأن الفشل يعني استمرار بقاء إيهود أولمرت على رأس الوزارة في الوقت الضائع أو اضطرار أولمرت (ليفني) إلى القبول بالأمر الواقع والدعوة إلى اجراء انتخابات مبكرة في مرحلة انتقالية صعبة. خيار الانتخابات المبكرة هو الأسوأ لأنه يصب في مصلحة بنيامين نتنياهو (الليكود) الذي يضغط بهذا الاتجاه. لذلك يرجح أن تقبل ليفني بتقديم تنازلات قاسية للمجموعات الحزبية الصغيرة حتى تضمن نجاحها في تشكيل حكومة ائتلافية ضعيفة وغير قادرة على حسم مواقفها المتصلة بتلك الاستحقاقات الإقليمية والدولية. حكومة ائتلافية ضعيفة تبقى أفضل من انتخابات مبكرة. وهذا الاحتمال مرجح حصوله لكونه يعطي ليفني ذاك اللقب الذي تنتظره وهو ينحصر في نقطتين: رئيسة وزراء، والمرأة الثانية التي تجلس على هذه المرتبة منذ أيام غولدا مائير.

بين المغامرة والمناورة

مصلحة ليفني الشخصية تقتضي بالمغامرة بتشكيل حكومة ائتلافية ضعيفة لتقطيع الوقت الضائع حتى تنجلي صورة الولايات المتحدة الانتخابية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ومصلحة حزب «العمل» الشريك الثاني في حكومة أولمرت تتطلب أيضا استمراره في الحكم حتى يرتب وضعه الداخلي في مرحلة انتقالية وصعبة. ومصلحة «شاس» مفتوحة على الاحتمالين فهو قوة صغيرة تحتاجها ليفني لتشكيل حكومتها وأيضا فهو قوة قابلة للنمو في حال جرت الانتخابات المبكرة. «شاس» أقرب ايديولوجيا إلى «الليكود» ولهذا يمكن أن ينقلب ضد «كاديما» سياسيا ليضمن دوره في العهد المقبل. «الليكود» هو الطرف المتضرر من نجاح ليفني في تشكيل حكومة ائتلافية لذلك يضغط بقوة على إفشالها حتى تضطر إلى القبول بإجراء انتخابات في ظل بقاء أولمرت رئيسا للحكومة. وفي حال جرت تلك الانتخابات ترجح الاستطلاعات فشل «كاديما» ما يعني أنها تكون كسبت لقب زعيمة الحزب وخسرت طموحها أن تفوز بموقع رئاسة الحكومة.

خريطة العوامل الداخلية مهمة لرصد مدى إمكان نجاح ليفني في مهمتها الصعبة، إلا أنها ليست أكثر أهمية من الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بالدولة العبرية. «إسرائيل» الآن تواجه موجات من التحولات ستضرب جدارها الأمني - الاقتصادي الذي يعتمد كثيرا على حليفها الإستراتيجي الدائم. وهذه الموجات هي الأخطر في تاريخ الدولة لأنها تأتي في لحظات دولية تشهد حالات من التوتر المعطوف على فترة أميركية ليست مريحة. فالظروف الأميركية المتقلبة انتخابيا وماليا ودوليا وإقليميا (الشرق الأوسط الكبير) لا تساعد ليفني على تسهيل مهمتها في فترة تبدو انتقالية. فالوزيرة تقود الآن انقساما حزبيا وحكومة منقسمة على اتجاهين (العمل وشاس) وبرلمان منقسم ويستعد للانقضاض على أي تشكيلة ائتلافية.

ليفني تتحرك في الوقت الضائع ومحاطة بمجموعة من السياسيين الغاضبين أو الطامحين وهي لا تمتلك فترة طويلة تساعد على المناورة الحزبية باعتبار أن المجال الزمني غير مفتوح وهي مضطرة إلى الإعلان عن خياراتها في اقصى سرعة وقبل اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر. فهل تستطيع زعيمة «كاديما» ووزيرة الخارجية في حكومة أولمرت أن تشكل قوة برلمانية ائتلافية في «الوقت الضائع»؟ الفرصة متوافرة ولكنها محكومة بمجموعة شروط داخلية تنتظر تلك المتغيرات التي يمكن أن تحصل في الولايات المتحدة في الخريف المقبل. وبغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي الجديد فإن حصة «إسرائيل» مضمونة ولن تتعدل، ولكن المشكلة ليست في الرئيس الجديد وانما في إمكانات الولايات المتحدة ومدى نجاحها في التكيف مع تلك الموجات المتتالية من التحولات الدولية والأمنية والنقدية.

مشكلة ليفني مضاعفة فهي من جانب تواجه معضلات داخلية تقوم على خريطة انقسامات سياسية وحزبية معطوفة على قلق أمني وأزمة تمويل لاقتصادها بسبب اضطراب أسواق المال الأميركية. وهي من جانب آخر تواجه استحقاقات إقليمية (حرب أو مفاوضات) تتطلب منها تأمين غطاء دولي بديل أو شريك للولايات المتحدة لضمان قدراتها على مواجهة الضغوط المتصلة بالتسوية. فماذا تستطيع أن تفعل ليفني في هذا «الوقت الضائع» حتى لو نجحت في تشكيل حكومة ائتلافية قبل إجراء الانتخابات الأميركية؟ كل الترجيحات تشير إلى أن الأمور مرشحة للتجميد أو التأجيل. فهي لا تستطيع استكمال المفاوضات المباشرة (السلطة الفلسطينية) أو غير المباشرة (سورية) من دون ضمانات أميركية ودعم داخلي. داخليا تبدو الاتجاهات السياسية صاعدة نحو المزيد من التطرف والانقلاب. وخارجيا تمر الولايات المتحدة في فترة مفتوحة على احتمالات كثيرة وهي في محصلتها النهائية لن تكون مريحة للرئيسة المكلفة بتشكيل الحكومة الائتلافية.

خيارات ليفني صعبة حتى لو ظهرت في المشهد بصورة ضاحكة. فالصور لقطات سريعة بينما المشهد أخذ يتبدل وينتظر مرور الوقت الضائع حتى يستقر في هيئته المختلفة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2206 - الجمعة 19 سبتمبر 2008م الموافق 18 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً